أكتب هذا المقال، وأعلم أن مصيرى بيد الله، لكن دماء الشهداء، ومُقلات الأعين التى فقدها أنبل مَن فى هذا الشعب، تحتم أن أفتح هذا الملف الشائك، الذى تتحاشاه الأقلام، وتصمت عنه الألسنة، وتغفو عنه عين "القضاء". مخابرات عمر سليمان التى حمت نظام مبارك طيلة ثلاثين عامًا، وتورط رئيسها فى صفقة بيع الغاز لإسرائيل، وتجويع وحصار غزة، وتقسيم السودان، ومعاونة دولة العادلى فى قتل المتظاهرين، وتدبير موقعة الجمل، ليست بعيدة عما يحدث من انقلاب على الثورة المصرية. إسباغ صفة الوطنية على هذا الرجل ومخابراته نوع من الطنطنة الفارغة والزيف الذى تم تصديره لنا على مدار سنوات، فالرجل وجهازه كانا يحميان، فى المقام الأول، دولة الطغيان والتوريث والفساد، دون أن نرى موقفًا وطنيًّا ضد مَن سرقوا ونهبوا وباعوا أراضى الدولة، وأغرقوا المصريين فى العبَّارة "السلام"، وأحرقوهم فى قطار الصعيد. الأخطر فى هذا الملف تورط دولة المخابرات فى التعتيم على جريمة قتل ألف شهيد فى أحداث يناير، وإعدام أدلة قتل المتظاهرين أو على الأقل السكوت عنها، وغض الطرف عن جريمة حرق وثائق جهاز أمن الدولة وإتلاف أسطوانات (سيديهات) الأمن المركزى وتسجيلات الأجهزة الأمنية، فضلاً عن عدم التعاون مع النيابة العامة، وهو أمر اعترفت به جهات التحقيق، وأكدت أن جهات أمنية وسيادية رفضت التعاون فى جمع وتوثيق أدلة قتل المصريين. تورط دولة المخابرات فى قيادة الثورة المضادة ودعم مخططات الفلول حقيقة كشفها الكاتب الصحفي عبد الحليم قنديل - رئيس تحرير جريدة صوت الأمة - مؤخرًا، حيث أكد - في حسابه على الفيس بوك - أن الجهة التي تنفذ حملة التشويه ضد الإخوان والسلفيين هي "قسم الشائعات" بالمخابرات العامة. وقال قنديل في "شهادته" التى يجب أن تكون محل تحقيق، إن تلك المعلومات أكدها له "وكيل" جهاز المخابرات العامة،قائلاً إن وكيل المخابرات بادره بالقول: "أبشرْ يا عبد الحليم، هنخلّصكم من الإخوان قريبًا". وسرد قنديل وقائع اللقاء قائلاً: "فى أحد اللقاءات التي جمعتني بالصدفة بأحد قيادات جهاز سيادي وهو المخابرات العامة، وكان برتبة وكيل - وهى رتبة تساوى وكيل وزارة داخل جهاز المخابرات العامة - فاجأني بقوله: أبشر يا عبد الحليم، هنخلصكم من الإخوان قريبًا ! ، وها هو الرئيس شفيق يستعد خلال أيام قليلة كي يتسلم منصبه ، ويبدأ حملة التطهير". وأضاف قنديل فى شهادته: "أردت أن أستغل فرصة هذا الاعتراف وفترة الصراحة تلك، وسألت عن حجم الهجوم العنيف على الإخوان ومرشحهم للرئاسة محمد مرسى، فأجابنى الرجل ضاحكًا وكله فخر: "ده شغلنا إحنا بقى؛ عشان تعرفوا إن المخابرات ما بتلعبش فى البلد دى يا عم المُعارض". نفس الدلالات أشار إليها الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فى مقاله بصحيفة الشروق عدد السبت 16 يونيه، واتهم صراحة جهاز المخابرات بالتورط فى سيناريو الانقلاب الناعم ومعركة الدولة العميقة، ومحاصرة الثورة وعدم استكمال أهدافها، حيث قال: "أقصد "جهاز المخابرات" الذى ليس له من صفة سوى جمع معلومات تخص الأمن القومى لمصر، ثم تراه للأسف يعتذر أن ليس من شأنه أن يجمع معلومات حول ما حدث فى الثورة المصرية، وما حدث من قتل للمتظاهرين، فمَن إذن الذى يعرف ويعلم؟! ، أليس هذا من اسمه جهازًا يسمى مخابرات، أى أنه يعرف ما يُتخابَر به ، وكل معلومات تخص مصر، خاصة عند هذه الأحداث الاستثنائية، لماذا لم يساعد هذا الجهاز كل جهات التحقيق ورفض التعاون معها بتقديم أى معلومات؟، أم أنه اعتاد ألا يقدم معلوماته إلا لكل صاحب سلطان، وليس حينما يتعلق الأمر بهذا الشعب الغلبان". تطهير مخابرات عمر سليمان، ومحاسبة نائب المخلوع، وتقديم كل مَن أتلف أدلة الاتهام فى قضايا قتل المتظاهرين، خطوات مفصلية إذا أراد الثوار أن تنجح ثورتهم، والتى يجب أن تصل إلى هذا الجهاز "الغامض" و"الوطنى".