جمال سلطان اندهشت كثيرا وأنا أقرأ حوار الدكتور ميلاد حنا في صحيفة العربي ، وخاصة موقفه الطارئ من التيار الإسلامي وتحديدا الإخوان المسلمين ، لدرجة أنه حذر من فوزهم في الانتخابات البرلمانية أو أن يحوزوا الأغلبية البرلمانية مهددا بأنه سيحمل أغراضه ويرحل عن الوطن ، وهو تهديد في غير محله أبدا ، ثم إنه لا معنى له ، أن يرحل أو يبقى ، هذه حريته الشخصية واختياره الشخصي ، وهناك ملايين المصريين هاجروا ، مسلمين وأقباط لأسباب سياسية أو فكرية أو اجتماعية أو اقتصادية ، ولم تتوقف دورة الحياة في مصر كما لم يتوقف نضال الشرفاء من أبنائها من أجل غد أفضل ، فلا معنى للتلويح إذن بأنه سيهاجر إذا ما حدث كذا ، بصراحة هو نوع من تضخيم الذات زيادة عن الحد ، أنا شخصيا أحترم الدكتور ميلاد حنا ، ولم يسبق لي أن قرأت له كتابا أو مقالا وفي خاطري أن هذا كاتب قبطي ، أبدا لم يحدث ، وإنما دائما أقرأ له وفي خاطري ألق فكري معين أبحث عنه ، ورؤى مستقبلية جذابة ، وروح وطنية جسورة ، هذه هي المرة الأولى التي أتذكر فيها أنني أمام كاتب قبطي ، لأن الروح التي تحدث بها كانت مشبعة بروح طائفية ، وإنه سيكون مؤسفا أن تنجح موجة الاستقطاب في جذب شخصية لها احترامها في نفوسنا مثل الدكتور ميلاد ، إنه لا يليق بك إنسانيا وسياسيا وديمقراطيا أن تصادر على حق أي تيار سياسي ، متدين أو علماني ، في أن يكون له حضوره ومشاركته في الحياة السياسية ، سواء في مقاعد المعارضة أو مقاعد الحكم ، طالما كان هناك دستور يحكم الجميع ويلتزم به الحاكم والمحكوم ، كما لا يليق بك أخلاقيا أو ديمقراطيا أن تصادر على حق الشعب في اختيار نوابه وممثليه ، لقد تكلم الدكتور ميلاد في الحوار بإيحاءات خطيرة جدا ، تفيد أن التيار الإسلامي إذا تولى الحكم أو كانت له أغلبية برلمانية ، فإنه سيضطهد الأقباط ويجعلهم يتحولون عن دينهم ويصفي وجودهم ، ما هذا الكلام الهازل ، إن ملايين الأقباط عاشوا في ظل الحكم الإسلامي الذي أدار شؤون مصر ألفا وأربعمائة عام ، ولن أقول في أمن وأمان وحسب ، بل أقول أن التاريخ والواقع يشهد بأن ذلك الحكم حفظ لهم وجودهم وأديرتهم وكنائسهم وحريتهم الدينية وشعائرهم وأثمر علاقات اجتماعية وإنسانية شديدة التمازج ، وكانت الدولة الإسلامية حتى منتصف حكم الخلافة العثمانية منذ أقل من ثلاثمائة عام تملك نصف العالم ، وتستطيع أن تمحو ما تشاء وتثبت ، ولا معقب لإجرائها وفعلها في العالم كله ، ولكنها لم تفعل ، ليس لمجرد التسامح الإنساني والديني ، وإنما لأن صميم الدين الإسلامي يأمر بذلك كواجب شرعي ملزم لكل مسلم ، ولو كان الحكم الإسلامي سيفني الوجود القبطي يا دكتور ميلاد ويصفيه ، لفعل من قرون طويلة ، ولما كان هناك في مصر كاتب مصري اسمه ميلاد حنا أصلا ، هذا كلام من العيب أن يخرج من حكيم مثلك ، وأما إذا كان الأمر هو نوع من المزايدات داخل الصف القبطي فتلك مسألة أخرى ، لكن أيا كانت مبرراتها فلا ينبغي أن تكون على حساب الوطن وأهله ، واستقراره ، وأشواق الإصلاح والحرية التي ينشدها الجميع . [email protected]