بين الشخصيات الأكثر دموية على مدى التاريخ الإسلامى، يحتل الحجاج مكانًا بارزًا بين هذه الزمرة، فهو الظالم.. المجرم.. الدموى.. الفصيح.. الشاعر.. الخطيب المفوه الذى يقف فى مقدمة خطباء وفصحاء هذه الأمة على مدى تاريخها أيضًا، وهو الخبيث الداهية الذى قال فيه عمر بن عبد العزيز: "لو تخابثت الأمم فجاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم"، وهو الذى كان يعتقد بأن طاعة ولى الأمر مقدمة على كل شىء، وقصص الحجاج كثيرة جدًا جدًا، بالنظر لطول مدة حكمه للعراق التى دامت 20 سنة، وحكاياته وسجالاته ومعاركه ومواقفه لا تقع تحت حصر. وُلد أبو محمد الحجاج بن يوسف بن أبى عقيل بن الحكم الثقفى فى منازل ثقيف بمدينة الطائف، فى عام الجماعة 41 ه، وكان اسمه كليب ثم أبدله بالحجاج، وأمه الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفى الصحابى الشهيد. نشأ فى الطائف، وتعلم القرآن والحديث والفصاحة، ثم عمل فى مطلع شبابه معلم صبيان مع أبيه، يُعلم الفتية القرآن والحديث، ويفقههم فى الدين، لكنه لم يكن راضياً بعمله هذا، فقرر الانطلاق إلى الشام، حاضرة الخلافة الأموية المتعثرة، التى تركها مروان بن الحكم نهباً بين المتحاربين. فى الشام، التحق بشرطة الإمارة التى كانت تعانى من مشاكل جمَّة، فتعين رئيسًا عليها، ونجح فى ضبط أمورها، وكان الخليفة عبد الملك بن مروان فى ذاك الوقت قد قرر تسيير الجيوش لمحاربة الخارجين على الدولة، فضم الحجاج إلى الجيش الذى قاده بنفسه لحرب منافسه وعدوه مصعب بن الزبير، ودامت الحرب أشهراً، فتفرق على ابن الزبير أصحابه، ووقعت فيهم الهزيمة. بعد أن انتصر الحجاج فى حربه على ابن الزبير، أقره عبد الملك بن مروان على ولاية مكة والحجاز كله، فكرهه أهل مكة، ثم أعلن عزل الحجاج عن الحجاز لكثرة الشكايات فيه، وأقره دامت ولاية الحجاج على العراق عشرين عاماً، وفيها مات، وكانت العراق عراقين، البصرة والكوفة، فنزل الحجاج بالكوفة، وكان قد أرسل من أمر الناس بالاجتماع فى المسجد، ثم دخل المسجد مُلثماًً بعمامة حمراء، واعتلى المنبر فجلس وإصبعه على فمه ناظراً إلى المجتمعين فى المسجد فلما ضجوا من سكوته خلع عمامته فجأة وكشف اللثام عن وجهه، وقال خطبته المشهورة : ياأهل العراق، ياأهل الشقاق والنفاق، ومساوئ الأخلاق، والله إن كان أمركم ليهمنى قبل أن آتى إليكم، ولقد كنت أدعو الله أن يبتليكم بى، ولقد سقط منى البارحة سوطى الذى أؤدبكم به، فاتخذت هذا مكانه (وأشار إلى سيفه) ثم قال: أنا ابن جُلا وطلاع الثنايا... متى أضع العمامة تعرفونى"، ثم قال: "أما والله إنى لأحمل الشىء بحمله، وأحذوه بنعله، وأحزمه بفتله، وإنى لأرى رؤوسًا قد أينعت وآن اقتطافها، وإنى لأنظر إلى الدماء تترقرق بين العمائم واللحى، قد شمرت عن ساقها فشمرى...". وبعدما مات عبد الملك بن مروان فى 86ه، وتولى ابنه الوليد بعده، فأقر الحجاج على كل ما أقره عليه أبوه، وقربه منه أكثر، فاعتمد عليه فى كل شىء. مات الحجاج ليلة السابع والعشرين من رمضان عام 95ه، الموافق لمثل هذا اليوم عام 714م، وقيل إن موت الحجاج كان بسرطان المعدة، وقبلها مَرض مرضاً شديداً.