هل دخلت مصر مرحلة تاريخية جديدة، مع خروج “الاخوان المسلمين” من تحت الأرض إلى دائرة الضوء، بصفتهم القوة المعارضة الرئيسية؟ وهل سيترجم هذا نفسه تطوراً لكل من النظام السياسي المصري من سلطة الحزب الواحد إلى الديمقراطية التعددية، وللاخوان من لوثة “الثورة الخلاصية الدائمة” إلى نزعة العمل الديمقراطي الاسلامي التدرجي، أسوة بتجارب الأحزاب الديمقراطية المسيحية في اوروبا؟ الجواب عن السؤال الاول هو نعم سريعة. فالانتخابات التشريعية برغم كل ما شابها من “بلطجة وتجاوزات”، وقبلها الانتخابات الرئاسية برغم كل ما انتابها من شوائب وثغرات، دشنت بالفعل نهاية حقبة اللاحزبية التي استمرت نحو نصف قرن، وأطلقت بداية تعددية سياسية قد تكون من نوع خاص شبيه بالثنائية الامريكية بين الجمهوريين والديمقراطيين. الفارق هنا هو أن الانقسام الثنائي سيتم على أسس إيديولوجية لا سياسية، حين سيتزعم الحزب الوطني المصري حركة الدفاع عن الدولة المدنية، فيما سيميل الاخوان إلى شعار الدولة الدينية بدافع من الشعار الفضفاض “الاسلام هو الحل”. لكن الجواب عن السؤال الثاني سيبقى في علم الغيب حتى إشعار آخر. فليس من الواضح بعد ما إذا كانت الدولة وحزبها الوطني، على استعداد بالفعل لدفع الاصلاحات الديمقراطية إلى مرحلتها الحاسمة والاهم وهي قبول تداول السلطة، بخاصة مع الاخوان. وليس من المؤكد، في الوقت ذاته، ان تتمكّن حركة الاخوان من التحول إلى حزب ديمقراطي إسلامي، ما لم تصف الحساب نهائياً مع تراثها “الثوري - العنفي” الذي جسّدته مدرسة سيد قطب؛ وأيضاً من دون أن تضع شعار “الاسلام هو الحل” في إطار برامج اقتصادية وسياسية حديثة قابلة للتطبيق في القرن الحادي والعشرين وليس في القرن الحادي عشر. هذه نقطة. وثمة نقطة أخرى لا تقل أهمية: كلا الطرفين، أي الدولة والاخوان، مراقب من جانب الادارة الأمريكية التي لا تزال مندفعة لاعادة بناء الشرق الأوسط الكبير على أسس جديدة. فهي تضغط على الدولة لتواصل انفتاحها الليبرالي. وهي تنتظر من الاخوان إثباتات بأنهم انتقلوا من الاسلاموية المتطرفة إلى الاسلام الليبرالي. وبرغم ان هذه الرقابة تتم على قدم المساواة، إلا أن الاخوان هم الأكثر عرضة لمخاطر الانقلاب الأمريكي عليهم، بسبب وجود تيارات قوية ونافذة في البنتاجون ومجلس الامن القومي تشكك بأوراق اعتمادهم الديمقراطية، وتخشى على مصير اتفاقية السلام المصرية - “الاسرائيلية” في حال وصولهم إلى السلطة. وهذا ما سيجعل المرحلة المقبلة في مصر حرجة للغاية، ليس لأنها مرحلة انتقالية فقط، بل أولاً وأساساً لانها مفتوحة على مستقبل مجهول يتراقص بين “التقدم المغامر” نحو الديمقراطية وبين “العودة الآمنة” إلى التوتاليتارية. ويتعين على الاخوان، وهم في ذروة نشوة النصر، ان يضعوا هذه المخاطر بعين الاعتبار، إذا ما أرادوا عدم تكرار نكسات الماضي وآلامه. فهل يفعلون؟ ---- صحيفة الخليج الإماراتية في 24 -11 -2005