وإذا كانت السياسة الجنائية تتميز بخصائص وسمات منها خاصية الغائية والنسبية والتطور ، فإن لها فروع منها سياسة التجريم وسياسة العقاب وسياسة المنع. وتعكس السياسة الجنائية المصالح الواجب حمايتها في الدولة والقانون هو الذي يحدد المصلحة الجديرة بالحماية من بين المصالح المتناقضة ، ولما كانت السياسة الجنائية هي السياسة التشريعية في مجال القانون الجنائي و توجه المشرع في اختياره للمصلحة الواجب حمايتها ، فقد تأثرت السياسة الجنائية بالفكر الفلسفي الذي ساد كل مرحلة . فإذا كانت السياسة الكلاسيكية قد تأثرت بشكل كبير بنظريتي العقد الاجتماعي والمنفعة الاجتماعية . انعكس ذلك على معيار التجريم والعقاب، الذي كان قاصرا على حماية المصلحة الاجتماعية فإن السياسة النيوكلاسكية تأثرت بنظرية العدالة وخففت من حدة الجمود والتجريد التي ميزت السياسة الكلاسيكية أن فلسفة الحبس الاحتياطي تعتمد على أنه ليس عقوبة انما هو اجراء احترازي استثناني تفتضيه ضرورات التحقيق أو المحاكمة و لابد ألا نأخذ به لحالات تقتضيه مصلحة التحقيق، ولابد أن نتوسع في بدائل الحبس مثل الإقامة الجبرية أو ما شابه لتكون حلقة وسطى بين الحبس وإخلاء السبيل و يحوله دون وجود فرصة للهروب. للأسف عدم وجود تعريف محدد للحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية المصري؛ وما يتعارض ما لهذا الإجراء مع مبدأ الأصل في الإنسان البراءة؛ فلا يجب تطبيقه إلا في أضيق الحدود. اِجتهد الفقه القانوني في وضع إطار للحبس الاحتياطي كان أهمها: أن الحبس بحسب الأصل عقوبة لا يجوزُ توقيعها على الإنسان إلا بمقتضى حكم قضائي واجب النفاذ؛ فالهدف من الحبس هنا هو سلب حرية المتهم أثناء مدة التحقيق؛ لذلك ينبغي أن تقدر الضرورات بقدرها؛ ويجب أن يتدخل المشرع لوضع الضمانات والإطارات القانونية المُلزمة لحماية ذلك. • نصت المادة 381 من التعليمات العامة للنيابات بتعريفه على أنه ”إجراء من إجراءات التحقيق غايته ضمان سلامة التحقيق الابتدائي، من خلال وضع المتهم تحت تصرف المحقق وتيسير استجوابه أو مواجهته، كلما استدعى التحقيق ذلك والحيلولة دون تمكينه من الهرب أو العبث بأدلة الدعوى أو التأثير على الشهود أو تهديد المجني عليه أو الانتقام منه وتهدئة الشعور العام الثائر بسبب جسامة الجريمة “. مكن إجمال ما ورد في التشريع المصري بخصوص الحبس الاحتياطي بأنه قد نظر إلى الحبس الاحتياطي بوصفة إجراء من إجراءات التحقيق ، وبوصفة تدبيرا احترازيا في الوقت نفسه فبوصفة إجراء من إجراءات التحقيق يحب آن يكون هو الوسيلة الوحيدة للمحافظة على الأدلة والقرائن العادية وللحيلولة دون ممارسة المتهم ضغطا على الشهود آو اتصالا سريا بغيرة من المتهمين وهو ما يستفاد من نص المادة 143/1 من قانون الإجراءات المصري فعلى الرغم من خلو القانون المصري من تحديد مبررات الحبس الاحتياطي فانه نص في هذه المادة على ما يفيد أن مد الحبس الاحتياطي يكون لمصلحة التحقيق ، ونص المشرع الدستوري المصري في المادة 54 من الدستور الحالي على انه " لا يجوز القبض على المتهم …… أو حبسة إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ". إما بوصفة تدبيرا احترازيا يستهدف منع التأثير الضار للخطورة الإجرامية التي كشف عنها اقتراف المتهم لجريمته وهو ما عبر عنه المشرع المصري بالمادة المشار إليها " صيانة أمن الدولة " وهو ما يدرجه الفقه عادة بوصف الحبس الاحتياطي كأجراء من إجراءات الأمن – يعمل على تفادى ارتكاب الجرائم سواء من المتهم أو من غيرة كرد فعل على جريمته 0 والسؤال الذي يطرح نفسه هل الأمر بالحبس الاحتياطي يعد إجراء من إجراءات التحقيق؟ الراجح إنه إجراء تَحفظي تجاه المتهم، ويدخل ضمن سلطات النيابة أو قاضي التحقيق الجنائي؛ إذن هو إجراء وليس محاكمة وإن كان يشتملُّ على تقييد لحرية المتهم التي تقترب من العقوبة السالبة للحرية، وإن كان ليس عقوبة في ذاتها. واختلفت الآراء في تحديد مبررات الحبس الاحتياطي؛ أهمها إخضاع المتهم لمختلف الإجراءات اللازمة لكشف الحقيقة، وتطبيق سلطة الدولة في العقاب وضمان تنفيذ العقوبات والوقاية الخاصة، وأخذت بهذا الرأي التعليمات العامة للنيابات م 318، فكان الغرضُ هو الحيلولة دون تمكين المتهم من الهرب أو العبث بالأدلة أو التأثير على الشهود أو تهديد المجني عليه أو الانتقام من المجني عليه هو أو ذويه، أو لتهدئة الشعور العام الثائر بسبب جسامة الجريمة. رأي الدستور اشترط في جميع الأحوال لابُدَّ من توافر ضرورة التحقيق كمبرر لهذا الإجراء. رأينا أن الحبس الاحتياطي هو إجراء جد خطير؛ فيجب إنزاله في أضيق الحدود لمصلحة التحقيق الابتدائي، ولسرعة الاستجواب والمكاشفة والمواجهة؛ وذلك بشرط وجود أدلة إدانة كافية ضد المتهم. م 387 من التعليمات العامة للنيابات “على أعضاء النيابة مراعاة ظروف ما يُعرض عليهم من القضايا، وإمعان النظر في تقدير مدى لزوم حبس المتهم احتياطيًا، ومراعاة الظروف الاجتماعية والارتباطات العائلية والمالية ومدي خطورة الجريمة، والأمر متروك لفطنتهم وحسن تقديرهم “.فالأصل في الحبس بشكل عام -باعتباره سلبًا للحرية- أنه عقوبة وبالتالي يجب ألا يُوقَّع إلا بحكم قضائي بعد محاكمة عادلة، تتوفر فيها للمتهم ضمانات الدفاع عن نفسه، بينما الحبس الاحتياطي إجراء من إجراءات التحقيق، وضع القانونُ شروطًا لتطبيقه. وقد أوجبت الدساتير المصرية المتعاقبة ضرورة تحديد مدة الحبس الاحتياطي. لذلك نقترح أنه لا يجوز في جميع الأحوال أن تجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا تجاوز 6 أشهر في الجنح و18 شهر في الجنايات، وعامين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن أو المؤبد أو الإعدام. ويجب تم يكون هناك تعويضا عن الاضرار التي تلحق المحبوس احتياطيا، باستحداث مادتين برقمي 562 و563، أكدتا استحقاق من يحبس احتياطيا أو يتم الحكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية ثم يصدر أمر نهائي بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله أو حكم باب ببراءته من جميع التهم المنسوبة إليه، بالتعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به مباشرة جراء تقييد حريته. ويرفع طلب التعويض بالطرق المعتادة لرفع الدعاوى. ويوجد 4 حالات لا يُستحق طلب التعويض فيها، أولها إذا كان الأمر بأن لا وجه أو الحكم الصادر بالبراءة مبنياً على عدم ثبوت الواقعة أو الاتهام لأى سبب من أسباب الإباحة أو امتناع المسئولية أو الاعفاء من العقاب أو انقضاء الدعوى الجنائية أو لصدور حكم أو قانون يرفع وصف التجريم أو لعدم الأهمية، أما الثاني إذا صدر عفو شامل عن المتهم، أو إذا كان المتهم محبوساَ في ذات الوقت على ذمة قضية أو قضايا أخرى، وأخيرا إذا ثبت أن المتهم قد خضع للحبس الاحتياطي أو قضى عليه بالعقوبة المقيدة للحرية رغبه منه بقصد تمكين مرتكب الجريمة الحقيقي الإفلات من العقاب. ان تطبيق النصوص الدستورية ذوات العلاقة بالحبس الاحتياطي من خلال وضع 3 محاور يعتمد عليها و هي تحديد مدد قصوى للحبس الاحتياطي ارتبطت بالجريمة و العقوبة، وقرار بدائل للحبس الاحتياطي وكانت موجودة سلفا بقانون الا تطبق قضايا الإرهاب في شأنها بدائل الحبس لأنه يخشى هروبهم و السوابق أكدت ذلك مثل خلية مدينة نصر، وإقرار التعويض كما نص عليه الدستور. انه لا يجوز القبول باستمرار الحبس على حالته كحد أقصى عامين، ولابد أن تحال أي قضية مهما كانت للمحكمة في موعد غايته 6 شهور مع صدور حكم أولى على الأقل بشأنها و لا يترك أحد رهن الحبس الاحتياطي. مع التوسع والاخذ بأحد التدابير الأتية : إلزام المتهم بعدم مغادرة مسكنه أو موطنه. الزام المتهم بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة. حظر ارتياد المتهم أماكن محددة. - منع المتهم من مزاولة أنشطة معينة. ويجوز حبس المتهم إذا لم يكن له محل إقامة ثابت ومعروف في مصر وكانت الجريمة جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس. وحال مخالفة التدابير المقررة جاز لعضو النيابة استبدال التدابير بالحبس الاحتياطي. ولا يجوز حبس أي إنسان إلا في الأماكن المخصصة لذلك وبناء على أمر موقع عليه من السلطات المختصة ولا يحوز أن يبقى فيها بعد المدة المحددة لهذا الأمر. ويطبق القانون قواعد الحبس الاحتياطي على التدابير البديلة له، وتكون نافذة المفعول بأمر النيابة العامة لمدة 10 أيام التالية لبدء تنفيذه، وتخضع إجراءات تجديدها والحد الأقصى لها للحبس الاحتياطي أيضا. ومع ذلك يتعين عرض الأمر على النائب العام إذا انقضى على حبس المتهم احتياطيتاً 90 يوماً وذلك لاتخاذ الاجراءات التي يراها كفيله للانتهاء من التحقيق. وفى حالات الجنح، لا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي أو التدبير، على 3 أشهر مالم يكن المتهم قد أعلن بإحالته إلى المحكمة المختصة قبل انتهاء هذه المدة، ويجب على النيابة العامة فى هذه الحالة أن تعرض أمر الحبس خلال 5 أيام على الأكثر من تاريخ الإعلان بالإحالة على المحكمة المختصة، وإلا وجب الافراج عن المتهم. أما في حالة الجناية فلا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي أو التدبير على (5) أشهر إلا بعد الحصول قبل انقضائها على أمر من المحكمة المختصة بمد الحبس أو التدبير لمدة لا تزيد على (45) يوماً قابلة للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة، وإلا وجب الافراج عن المتهم أو إنهاء التدابير على حسب الأحوال. و تلتزم النيابة العامة بنشر كل حكم بات ببراءة من سبق حبسه احتياطيا ، وكذلك كل أمر صادر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار على نفقة الحكومة ، ويكون النشر في الحالتين بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم أو أحد ورثته وبموافقة النيابة العامة في حالة صدور أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى . وتعمل الدولة على أن تكفل الحق في مبدأ التعويض المادي عن الحبس الاحتياطي في الحالتين المشار إليهما في الفقرة السابقة وفقا للقواعد والإجراءات التي يصدر بها قانون خاص "