جاء الارتفاع غيرالمسبوق في الأسعار كأحدث مراحل ماراثون الأزمة الاقتصادية الطاحنة، التي تعصف بملايين المصريين منذ قرار الحكومة في نوفمبر الماضي، بتحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار، ليزيد من معانات الطبقة الفقيرة خاصة بعد قرار الحكومة الأخير برفع أسعار الوقود بنسب تراوحت بين 5% و100%، وما ترتب عليه زيادة كبيرة في أسعار كل السلع والخدمات. ارتفاع الأسعار ظهر في بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بداية الشهر الجاري عن التضخم السنوي الذي وصل إلى معدلات قياسية؛ 34.2% خلال شهر يوليو الماضي. هذه الظروف السيئة من ارتفاع الأسعار بشكل متلاحق، وانخفاض قيمة الجنيه المصري وثبات الدخول، بدلت الأحوال المعيشية لشرائح كبيرة من الطبقة الوسطى، لتقترب أكثر من الطبقات الأدنى دخلًا، ويتبدد حلمها في الترقي أو حتى الاستقرار. في هذا التقرير نرصد قصصًا وحكايات حية ترويها نماذج من أبناء هذه الطبقة، ترسم ملامح أولية لما يعانونه وما اضطروا للتخلي عنه "عشان المرتب يكفي لآخر الشهر، وذلك بحسب موقع "مدى مصر". في البداية يقول المواطن أحمد حنفي متزوج وأب لطفلين، مسئول مبيعات في شركة هواتف محمولة: "أنا مرتبي بيعتمد على العمولة وحركة البيع في السوق، بعد التعويم والضرائب سعر الجملة لأقل موبايل زاد من 2000 جنيه ل2800 جنيه، الناس كلها بقت تشتري مستعمل ومبيعاتي قلت التلتين". لم يعد مرتب أحمد، الذي يبلغ 4 آلاف جنيه، كافيًا لتغطية مصروفات بيته، أصبحت زوجته دائمة الشكوى من نفاد مصروف المنزل في اليوم العاشر من كل شهر، رغم أن الكلام ده بيحصل في الشهر اللي ما حدش بيروح فيه للدكتور، غير إني أصلًا مش بدفع إيجار عشان عايش في شقة تمليك، وما عنديش وقت للخروج والفسح، وبنتي الكبيرة في مدرسة حكومية وابني في حضانة. الفلوس بتخلص في الأكل والشرب والمواصلات والفواتير بس، ومش عارف هكمل إزاي»، يوضح أحمد. أحمد حنفي وفي الحالة الثانية التي رصدها التقرير جاء أحمد وفاقي الذي يعمل مصورًا في دار إنتاج فني، بالإضافة إلى عمله كمصور حر، وذلك على الرغم من عدم انتهائه من دراسته الجامعية في كلية التجارة. يعمل وفاقي لمدة يومين أسبوعيًا في دار الإنتاج على طريق صلاح سالم، وأصبح هذا هو "المشوار" الوحيد الذي يستخدم فيه وفاقي المواصلات للذهاب من منزله في منيل الروضة للعمل، أما "مشاوير" الذهاب للجامعة أو للوفاء بمتطلبات عمله الحر، فيستخدم وفاقي فيها الدراجة بشكل يومي. يقول أحمد وفاقي إن العجلة بقت أسرع وأريح، والأهم من كده إنها بقت موفرة أكتر، مصاريف الذهاب لشغلي في صلاح سالم زادت بعد رفع أسعار البنزين من 19 جنيهًا في الأسبوع ل 70 جنيهًا. ده غير المواصلات في المشاوير التانية ومصاريف الأكل. وإذا كانت الدراجة حلًا اقتصاديًا بديلًا للمواصلات التي ارتفعت تكلفتها بعد زيادة أسعار الوقود، فإن العدسات التي يستخدمها وفاقي في عمله الحر، والتي كُسرت منذ وقت قريب، لم يعد لها بديل. وأضاف: تكلفة العدسات التلاتة دلوقتي وصلت ل80 ألف جنيه، مقارنة ب 30 ألف جنيه قبل تعويم الجنيه، دلوقتي بأستخدم العدسات المتوفرة في شركة الإنتاج في العمل الخاص بالشركة، أما شغلي الشخصي فمش عارف إزاي هاقدر أشتغل وأنا مش عارف أشتري عدسات جديدة. أحمد وفاقي أما روزانا ناجح، وهي متخصصة في إدارة مواقع التواصل الاجتماعي، فمعاناتها الكبرى تتركز في عدم قدرتها على دفع تكاليف علاجها من حساسية الصدر، التي تطورت لربو مزمن، في بداية مرضها، اضطرت روزانا للمتابعة مع طبيب كلفتها 150 جنيهًا أسبوعيًا، بالإضافة إلى أدوية موسعة للشُعب تكلفتها 1500 جنيه شهريًا. العلاج ما كانش فعال وما كنتش بتحسن، اضطريت أتابع مع دكتور الفيزيتا بتاعته أرخص والدوا بتاعه بيكلفني 300 جنيه وبرضه حالتي ما اتحسنتش، وصلت لمرحلة إني لازم أختار بين الأكل أو الدوا، وأنا ما أقدرش أعيش من غير أكل، فاتخليت عن الدوا، وماشية ببخاخة صغيرة مش غالية، لما باتعب باخد منها وخلاص. تعمل روزانا في عملين مختلفين، إلا أنها لم تحصل على راتبها الشهري من إحدى الوظيفتين منذ أربعة أشهر: «لو كنت بقبض مرتبين كان ممكن أوفي باحتياجات علاجي، بس في الوضع ده ما بقيتش قادرة».