ربط كثيرٌ من مؤرخى العرب القدامى بين شخصيتي الإسكندر الأكبر وذى القرنين، ومن هؤلاء من جعل كليهما شخصية واحدة، وذكرهما باسم "الإسكندر ذى القرنين". بينما يذهب آخرون إلى أنه لا توجد ثمة علاقة بين ذى القرنين الملك المُوّحد، وبين الإسكندر الملك المقدوني الوثنى. وذهب رأي ثالث إلى أن ذا القرنين هو كورش ملك فارس، فيما قال آخرون إنه نبوخذ نصر (بُختنصر) ملك بابل الأشهر. وقيل أيضاً: كان ذو القرنين عربياً من ملوك اليمن، وقيل: هو الملك أخناتون، وغير ذلك من الأقاويل التي يدخلُ بعضها في إطار الخرافات، والأساطير. لكن تبقى علاقة ذى القرنين ب"الإسكندر الأكبر" تحديداً هي الأكثر ذيوعاً، ولاسيما من خلال ما ورد في روايات المُفسرين والمؤرخين القدامى والتي تُشير إلى غالبية تؤيد ذلك الربط، سواء تلميحاً أم تصريحاً، والقول بأن الإسكندر الأكبر وذا القرنين شخصية واحدة، هذا إلى جانب قلة من المؤرخين تُنكر ذلك. ومن أصحاب الرأى المؤيد، المؤرخ المصري ابن الكندى (355ه)، إذ يقول صراحة إن الإسكندر هو ذو القرنين، ولعل من أكثر من أيد الربط بين الشخصيتين ابن الأثير (ت:630ه)، حتى أنه يذكر الإسكندر باسم "إسكندر ذى القرنين". وقال السيوطى (ت:911ه) عن ذى القرنين: "اسمه الإسكندر"، وأيد ذلك الربط أيضاً جمٌ غفير من قدامى المؤرخين والمفسرين بشكل أو بآخر، منهم: ابن عبد الحكم (254ه)، واليعقوبى (284ه)، وابن جرير الطبرى (ت:310ه)، والمسعودى (ت: 346ه)، والزمخشرى (ت: 538ه)، وابن زولاق (ت: 387ه)، والقرطبى (670ه)..وآخرون. بينما أنكر ذلك الربط، الإمام الفخر الرازى (ت: 605ه) الذى قال: "إن أرسطو معلم الإسكندر كان كافراً، وعلى هذا كان تلميذه". وأيده المقريزى (ت: 845ه): "وقد غلط من ظن أن الإسكندرهو ذوالقرنين". ولست أزعمُ بصحة أحد هذين القولين بشكل مطلق، وإن كان "الرأى الأول" له ما يؤيده، ف"الإسكندر الأكبر" وذوالقرنين يبدو بينهما من التقارب أكثر من غيرهما. ف"ذوالقرنين" كان له من المُلك ما كان يمتدُ من أقصى الشرق الى أقصى الغرب، وعن ذلك يقول القرآن: "إنّا مكَّنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً"، وقال: "حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تطلع فى عين حمئة"، وقال أيضاً: "حتى إذا بلغ مطلع الشمس". أما الإسكندر الأكبر، فقد امتدت مملكته من بلاد مقدونيا وبلاد اليونان شمالاً، ومن تخوم بلاد الصين شرقاً إلى مناطق كبيرة من شمال أفريقيا غرباً، وكانت دولته من أعظم الإمبراطوريات وأكبرها على الإطلاق في العالم القديم. أما عن دين كليهما، ف"ذوالقرنين" كان ملكاً موحداً، أما الإسكندر الأكبر، ف"الكثيرون" يرون أنه كان ملكاً وثنياً. بينما يرى آخرون أنه منذ ترك الإسكندر الأكبر بلاد اليونان وذهب إلى الشرق لم يعد إلى بلاده مرة أخرى، ثم إن الإسكندر عاش بعد ذلك فى بلاد الشرق، وهي مهد الأديان وأرض الأنبياء. وحسب هذا الرأي، مال الإسكندر هناك إلى عادات وطبائع الشرقيين، وأخذ يمارسها، حتى قلد الشرقيين في ثيابهم، ثم إنه تزوج من إمرأة من الشرق، وأمر الآلاف من جنوده أن يتزوجوا من نساء شرقيات، وغير ذلك من الأمور. ومن ثم يرى البعضُ أن الإسكندر اعتنق التوحيد آنذاك. وربما يؤيد ذلك أن الفردوسى يذكر فى "الشاهنامة" أن الإسكندر ذهب إلى أرض مكة، وأنه أحسن معاملة أهلها، ثم طاف ب"البيت الحرم". بينما يذكر يوسيفوس (عاش في القرن الأول الميلادي) أن الإسكندر كان رجلاُ تقياً، ورعاً، وكان يقابل الملائكة وجهاً لوجه، وكان يُكلمهم، ويستمع لنصحهم، وكان يكثر من ذكر الله، وتسبيحه. وقد ورد اسم الإسكندر الأكبر فى أسفارالعهد القديم عدة مرات، وتحدثت عنه النبوءات التوراتية أكثر من مرة، لاسيما (نبوءة النبي دانيال)، وقد ورد فيها اسم ذى القرنين باللفظ. ومن جانب آخر، فإن ما نعرفه عن عقائد فلاسفة اليونان الكبار: سُقراط، وأفلاطون، وأرسطو ربما تحتاج منا لإعادة رؤية تحليلية جديدة لأفكارهم، خاصة أرسطو (مُعلم الإسكندر). ويرى البعضُ أن هؤلاء الفلاسفة لم يكونوا وثنيين، وكانوا يتحدثون عن فكرة الإله الواحد، والخالق الأول، وأفاضوا في الحديث عن "عقيدة الألوهية"، وكانت لهم أفكار تخالف عقائد اليونان الوثنية في ذلك الوقت، ويؤيد ذلك أن سقراط أُعدم فى أثينا بتهمة "التجديف والمروق من الدين"، فلم يكن سقراط يؤمن ب"الآلهة اليونانية"، وكان كثير السخرية منهم. وكان تلميذه أفلاطون أيضاً يؤمن بفكرة الإله الواحد الذى لا ند له، وكان متأثراً بأفكار معلمه (سقراط)، حتى قال البعض: (إن أفلاطون ليس إلا موسى يتكلم اليونانية)، وذلك إشارة ل"أفكاره التوحيدية". وقد اشتد أفلاطون في محاربة الملحدين، والطبيعيين، وكل من يقول إن الطبيعة لا خالق لها، وأنها تدبر أمرها بذاتها. أما أرسطو (مُعلم الإسكندر)، فكان متأثراً هو الآخر بأفكار معلمه أفلاطون، ولم يكن يميل ل"آلهة اليونان"، ومن ثم اُتهم أرسطو هو الآخر ب"الزندقة" مثل سقراط، وحاول وثنيو اليونان قتله، لكنه أفلت من براثنهم. تلك إشاراتٌ مُهمة قد تفيد فى إماطة اللثام عن شخصية ذى القرنين...