فى الانتخابات الرئاسية الأولى والأخيرة فى عهد مبارك، التى تمت فى سبتمبر 2005 بعد التعديلات الدستورية، التى سمحت بخوض مرشحين سباق الترشح للرئاسة بدلاً من نظام الاستفتاء على شخص المرشح، وهى الانتخابات التى فاز بها مبارك طبعًا، حصل مبارك فيها على ستة ملايين وربع المليون صوت انتخابى من بين اثنين وثلاثين مليون صوت انتخابى مسجلة، حدث هذا فى الوقت الذى كان فيه مبارك مسيطرًا على كل شىء فى مصر ومعه المؤسسة الأمنية الرهيبة بأذرعها المختلفة، ومعه مؤسسة البلطجة ومعه الحزب الوطنى الحاكم عن بكرة أبيهم، ومعه خطط التزوير والتحايل الفاعلة رغم حصارها نسبيًا فى تلك الانتخابات، ومعه كل ما تتخيله من حشد إعلامى رسمى وخاص، وكل ما تتخيله من إحباط لدى أى منافس يعرف أنه يسجل حضورًا شرفيًا فقط، وليس له أى فرص فى منافسة حقيقية، رغم كل ذلك حصل مبارك على هذا الرقم المتواضع الذى يعادل أقل من 20% من أصوات الناخبين، كما كان ملاحظًا أن نسبة المشاركة فى الانتخابات رغم كل هذا الحشد النفاقى والرسمى والأمنى، لا تتجاوز 23%، وأرجو أن نقيس ذلك بالعقل والمنطق على الانتخابات الجديدة، ولنا أن نتصور الآن قدرة حشد "الفلول" المزعومة فى تلك الانتخابات الجديدة فى مصر بعد الثورة، بعد أن تم قصقصة أجنحة مؤسسات القمع الأمنى والهيمنة والإجرام وتزوير إرادة الشعب، وبعد أن تم حصار منافذ التزوير إلى أقصى حد، وفى ظل وجود أكثر من مرشح يمثل "فلول" النظام القديم، يقتسمون أصوات الفلول وداعِميهم، وفى يقينى أن أحدًا منهما (أحمد شفيق أو عمرو موسى) لن يتخطَّى حاجز العشرة فى المائة من أصوات الناخبين، مهما حشد ومهما روج له إعلام الفلول المتحالف مع الإعلام الرسمى، وأعتقد أن القياس الذى قدَّمته هنا واضح الدلالة لمَن كان له عقل، بعيدًا عن الدجَل الذى تبثه أجهزة أمنية محترفة من شائعات فى الشوارع عن فرص هذا أو ذاك الأسطورية. فى مقابل ذلك، وفى الانتخابات البرلمانية الأولى بعد الثورة شارك فى التصويت أكثر من 32 مليون مواطن مصرى، وحصد التيار الإسلامى وحده أكثر من 22 مليون صوت انتخابى، فما الذى صنع الفارق؟، صنعته الثورة، وصنعته الحرية، وصنعه تهميش دور المؤسسة الأمنية القمعية، التى أهانت مصر وشعبها، وصنعته حماسة ملايين المصريين لسحق الفلول، وصنعه إشراف قضائى كامل ومحترم على الانتخابات، وصنعه أيضًا للأمانة حفاظ المجلس العسكرى على شرف العسكرية المصرية بعدم الانحياز أو التفكير فى أى تلاعب بأى صورة، ووقوفه على مسافة واحدة من الجميع فعلاً، وفى النهاية صنع هذا الفارق بوضوح كامل المشاركة القوية للتيار الإسلامى، الذى كان مستبعَدًا فى السابق ومطارَدًا ومهمَّشًا، والمؤكد أن مشاركة الإسلاميين القوية فى انتخابات الرئاسة ستكون حاسمة أيضًا، كما كانت فى الانتخابات البرلمانية، فتلك أم المعارك الانتخابية، والمنطقى وفق معادلات الحضور الجماهيرى والقدرة على الحشد ودرس التاريخ القريب أن تكون الإعادة بين محمد مرسى وعبد المنعم أبو الفتوح، أما المفاجأة لو كانت فستكون فى قدرة أحدهما على الحسم من أول جولة، وعلى مسؤوليتى الكاملة، لا توجد أى مفاجآت أخرى محتملة فى هذا السباق. فى الانتخابات البرلمانية السابقة قبل أشهر أجرى مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية استطلاعات رأى عظيمة كالعهد به!، وأتت نتائج الاستطلاعات "الأهرامية"؛ لتؤكد ثلاث مرات أن حزب الوفد سيحصل على ثلاثة أضعاف ما يحصل عليه حزب النور السلفى، فجاءت النتيجة الفعلية أن حصل حزب النور على ثلاثة أضعاف ما حصل عليه حزب الوفد!؛ ولأن ذلك يجعلنا نؤكد أن مركز الأهرام "ناس بركة"، فنحن نتفاءل كثيرًا باستطلاعات الرأى التى قدمها المركز مؤخرًا، ويؤكد فيها أن شفيق فى الصدارة، وقد أتت مبشرات "البركة الأهرامية" فى حصول شفيق على المركز السادس فى تصويت المصريين فى الخارج! خلال أقل من أسبوع بإذن الله، سنحتفل بانتقال السلطة إلى قُوى الثورة، سواء بالحسم من أول جولة أو حتى لو كانت هناك إعادة، فلن يكون الفلول طرفًا فيها، بإذن الله. [email protected]