أبرز سمات هذه المرحلة المسماة بالمرحلة الانتقالية هو أن جميع اللاعبين السياسيين بها يتبعون سياسة واحدة هى سياسة "التخبيط فى الحلل"، فكلنا فى الهوا سوا، ومن كان منكم بلا تخبيطة فليرم صاحبه بحجر أو حتى بإيد الهون.. وكنت أود فى الحقيقة لو نأى أهل العلم بأنفسهم عن المشاركة فى هذه "المعجنة"، ولكن يبدو أن الجميع حرص على ألا يغيب عن المشهد الوطنى المهيب من باب اللحمة الوطنية.. فتاوى لها العجب تصدر من علماء أجلاء خاضوا فى لجة المعترك دونما قراءة واضحة للمشهد، فوقعت آراءهم وفتاواهم مجانبة للصواب. فمن قائل إن من ينتخب الدكتور محمد مرسى هو آثم شرعًا، لأن جماعة مرسى قالت إنها لن ترشح أحدًا من أعضائها للرئاسة ثم رجعت فى كلامها "كالعادة"، وهذا غدر وخلف للوعد يأثم فاعله ومن صوت له فقد أعانه على غدرته.. وعلى النقيض يقف شيخ آخر مشهود له بالفضل والسبق فى الثورة ومشهود له أيضًا بالاندفاع والرومانسية حتى فى فتاواه يصف التصويت لصالح مرسى بأنه جهاد فى سبيل الله على اعتبار أن الدكتور مرسى بعد نجاحه سيصلى بنا فى القدس وأن من يقفون ضده من سلفيين وغيرهم إما عملاء سابقين لأمن الدولة أو أعداء حاليين للمشروع الإسلامى.. وقد غاب عن الشيخ أن هناك مرشحين آخرين يحملان المشروع الإسلامى وليس مرشح الإخوان فقط.. غاب عن الشيخ أنه فى الوقت الذى كان فيه مرسى وجماعته يحلفون "طلاق تلاتة" أنهم لن يرشحوا أو يترشحوا أو حتى يدعموا أى مرشح له مرجعية إسلامية أو شبه إسلامية، فى هذا الوقت أدرك الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح خطورة هذا المنحى على مستقبل المشروع النهضوى الإسلامى، فتقدم لسباق الرئاسة مضحيًا بمكانته ومنصبه داخل الجماعة حتى صدر قرار بفصله.. غاب عن الشيخ أن مرسى وجماعته راحوا ينقبون عن أى شخصية تصلح للرئاسة تحت دعوى الرئيس التوافقى الذى اشترطت فيه الجماعة ألا يكون "والعياذ بالله" إسلاميًا أو من أبوين إسلاميين وراحت تقصى وتطرد من بين صفوفها كل من يدعم أو يدافع عن العضو "المارق" أبو الفتوح أو ينضم لحملته الانتخابية أو يتعاطف معه ومع مشروعه الإسلامى.. إننى أسأل الشيخ الرومانسى هل كان "مع احترامى للجميع" منصور حسن أو نبيل العربى أو البرادعى الذى سعى إليه مرسى وجماعته لإثنائه عن الانسحاب من سباق الرئاسة.. هل كان أى منهم سيحمل على عاتقه تنفيذ مشروع النهضة الإسلامى، أم أن الهدف هو مجرد إسقاط أبو الفتوح وذبحه سياسيًا.. فعندما أدركت الجماعة "البراجماتية" أن بنيانها وتنظيمها الحديدى يوشك أن ينهار بسبب إصرارها على فكرة الرئيس العلمانى التوافقى "البتنجانى"، فى ظل رفض القاعدة العريضة من شبابها الأطهار لهذه المهازل السياسية، فلم تجد القيادة الراشدة سوى أن تتبع سياسة "حنفى" معلنة قولتها المشهورة "خلاص تنزل المرة دى".. هل تذكر مرسى وإخوانه فى اللحظات الأخيرة أن ثمة مشروعًا للنهضة موجود فى درج المرشد فى حاجة إلى التطبيق وأنه لا بديل عن مرشح إسلامى لتنفيذه شرط أن يكون هذا المرشح علمانيًا قحاً، فإن لم يكن ف"شاطرًا"، فإن لم يكن ف" مرسيًا"، فإن لم يكن فالفارق بين "مرسى" و"موسى" حرف واحد ونرفع شعار"منكم الرؤساء ومنا الوزراء".. أسأل زمرة العلماء الأجلاء حفظهم الله من مسوقى الأخ مرسى، هل يمكنكم أن تصفوا لى شكل منصة المرشح التوافقى الذى كان مرسى وجماعته يسعون لترشيحه ودعمه؟ وهل كانوا سيستعينون بكم أو يسمحون لكم بتصدر المشهد الانتخابى لتصدعوا بالحديث عن المشروع الإسلامى ووجوب تطبيق الشريعة الإسلامية؟ أم أن المشهد كانت ستسوده شعارات أخرى تعلمونها جيدًا؟ وما بين المشهدين والمنصتين فارق دقيق هو أن يقبل أى من الذين تفاوض معهم مرسى وجماعته أن يعمل طرطورًا بدرجة رئيس جمهورية.. يبدو أننى بدأت "أخبط فى الحلل". [email protected]