الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون الأكثر نزاهة في تاريخ مصر ، أثق بذلك ؛ لأن الواقع وموازين القوى فيه تغيرت ، وأصبح الشعب رقيبًا على القرار والسلوك الرسمي ، والأحزاب والقوى الوطنية أكثر قدرة على فرض الاحترام للديمقراطية على كائن مَن كان ، كما أن المجلس العسكري لا سبيل أمامه لحماية الوطن وحماية المؤسسة العسكرية نفسها ، إلا بإنجاز وعده المتكرر بإخراج انتخابات رئاسية نزيهة تبهر العالم كما قال ، ولأن هذه الانتخابات هي التي ستُدخل المجلس العسكري التاريخ من أفضل أبوابه ، وتعيد الهيبة والاحترام للمؤسسة العسكرية كحاضنة للوطنية وحامية لمدنية الدولة ، والعكس قطعًا صحيح ، ولكن كل هذا الكلام لا يغني عن اصطفاف القوى الوطنية وقوى الثورة للرقابة على الانتخابات وضمان شفافيتها بشكل علمي ومنظم وصارم، ومنع أي تحرك للتأثير غير القانوني في الناخبين . ولكن الملاحظ أنه رغم إعلان المجلس العسكري المتكرر عن ضمانه بشرفه العسكري نزاهة الانتخابات ، إلا أن الناس تُلقي بظلال من الشك على مجريات الأمور ؛ وذلك نظرًا للغموض الذي يكتنف بعض المواقف والتوجهات الواضحة لوسائل الإعلام الرسمية الخاضعة لتوجيهات المجلس العسكري نحو دعم الفريق أحمد شفيق ومحاولة تلميعه ، كما أن الاستطلاعات "المضروبة" التي تكرر صدورها عن مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء ، التابع للمجلس العسكري ، تؤكد بما لا يدَع مجالاً للشك أن هناك محاولات رسمية "لتزييف" وعي المِصريين وصناعة صورة مزوَّرة في وقت مبكر ، مما جعل الناس تتصور أن هذا "التزوير" في استطلاعات الرأي يعتبر تمهيدًا لتزوير مقبل في صناديق الانتخاب ، وأنا لا أتصور ذلك شخصيًا ، ولكن لا يمكن أن نمنع ظنون الناس وهي تشاهد هذه الألاعيب ، إضافة إلى عمليات بث موجه لشائعات احترفتها جهات أمنية معروفة، تتوسل أدوات شعبية تقليدية (مهن شعبية كمحلات الحلاقة أو سائقِي التاكسي أو دوائر وظيفية رسمية) لنقل الشائعات أو الأخبار أو المعلومات المصطنعة، وبثها على نطاق واسع داخل المجتمع من خلال دوائر تتكاثر بطريقة المتوالية الهندسية في وقت قصير ، إضافة إلى تسريب جهات رسمية لنتائج "مضروبة" لانتخابات المصريين بالخارج ، رغم أن القانون يمنع ذلك . غير أن قناعتي أن لجوء بعض الجهات الرسمية إلى مثل هذه الأساليب يعني في جوهره إحساسًا بالعجز أمام إدراك متزايد بأن الشعب لن يسمح للفلول أن يمروا ، ولن يسمح بإعادة إنتاج النظام السابق تحت مِظلة مرشح محسوب عليه ، وأن فرص مرشحي الفلول ضعيفة للغاية ، ولا يوجد سِوى "مسطول" أو "شارب"، يمكنه أن يتوقع حصول أحمد شفيق على ما يزيد على خمسة في المائة من الأصوات ، بمعنى أن يخرج ما يقرب من ثلاثة ملايين مصري من بيوتهم، مجاهدين من أجل التصويت للفريق أحمد شفيق في الانتخابات ، هذه فرضية مضحكة ، ناهيك عن أنها تكون كوميدية أكثر عندما تفترض خروج عشرين مليون مصري مثلاً في طوابير طويلة من أجل تسجيل اختيارهم "لرجل مبارك" ، وكل محاولات النفخ الكذاب في فرص شفيق لا تنطلي على عاقل ، وكنت أتمنى أن تجتمع القوى الوطنية على مرشح واحد يمثل رمزية الثورة لحسم الانتخابات من جولتها الأولى وتجنب التفتيت والإعادة ، فلما عجزنا تمنيت أن تجتمع القوى صاحبة الشعبية وقدرات الحشد التصويتي العالية "الإسلاميون" على مرشح واحد ، فلما عجزنا عن إقناع الجميع ، لم يعد أمامنا سوى الاحتكام إلى الصندوق ، والعمل بكل إصرار ووعي ويقظة لحماية العملية الانتخابية ، من أول مراجعة الكشوف ، مرورًا بضرورة استخدام صناديق زجاجية أو شفافة لضمان عدم وصول الصناديق، وهي محملة بأصوات مزورة قبل فتح اللجان ، مرورًا بمراقبة عملية التصويت ذاتها داخل اللجان ، وصولاً إلى عملية الفرز التي تقرر أن تكون داخل اللجان الفرعية ، وهذا من أهم ضمانات عدم التلاعب ، وانتهاءً بإعلان النتيجة . مِصر ستشهد انتخابات رئاسية رائعة ، ومصر سيحكمها نهاية الشهر المقبل رئيس مدني جديد ، لم ينتمِ أبدًا إلى النظام السابق بأي صورة من الصور .