كمال حبيب قابلني صديق محام بالأمس وكلمني بنوع من الحسرة والألم الذي يمزقه عن حالة معتقل مصري في سجن أبي زعبل اسمه " ناصر محمد عبد الحافظ عثمان" وهو كما علمت منه يعمل عامل حر ، له ابنه بلغ عمرها اليوم 12 سنة أي أنها في ا لصف السادس الابتدائي وتخيلوا هذه البنت الصغيرة كل أملها أنها تريد أن تحضن أباها ، تريد أن تقابل أباها بشكل مباشر بدون سلك . إنها كارثة أن تظل السجون المصرية حتي اليوم تجعل السلك الكئيب حائلا بين المعتقل أو المسجون وبين أهله حين زيارته ، ولمن لا يعرف زيارة السلك فهي عبارة عن ممرين واحد يدخل منه الزائر والآخر المقابل يدخل منه المعتقل أو المسجون ويفصل بين الممرين طبقتين من السلوك الكئيبة العتيقة ويقف الزائر والمزور الذي هو المعتقل أو المسجون هنا منتظرا وحين يلتقيان تحدث ضجة ضخمة أشبه ماتكون بالسويقة كل منهما يصيح بأعلي صوته ولا يسمع الآخر ويكون المشهد كله مأساويا . وبصفارة الشاويش ينبغي نزع أرواح الزائرين وعوائلهم حيث الأجساد منفصلة فعلا ولكن الأرواح هي التي تنتزع مع الصافرة التي تعلن ضرورة الفراق والوداع ، وتكون مآس بشرية فالأم قد تنهار وهي تودع ابنها وتبكي ، والزوجة ونكون أمام مسرح للعبث واللإنسانية التي تعد جريمة إنسانية وأخلاقية بكل المعايير والمقاييس والتي لا يمكن أن تنتمي لتقاليد العالم المعاصر . أذكر أننا رفضنا زيارة السلك عام 1986 حين كان زكي بدر وزيرا ً للداخلية حين هدد أنه سيضرب في سويداء القلب ، واعتبرنا ذلك إهانة لنا ولأهلنا ، وكنا نقبل بزيارة الأكل أي دخول الطعام فقط ، وخاض الأهالي ومعهم الصحافة ونشطاء الجماعة الوطنية صراعاً ضد وزارة الداخلية جعل مصلحة السجون تلغي هذه الزيارة الكئيبة وتفتح الزيارات بدون سلك . لكن اليوم أصبحت زيارة السلك أملة ومطلب يناضل من أجله المعتقلون السياسيون ، هناك في عهد مبارك انتكاسة لحقوق الإنسان ولحقوق المسجون بالذات ولحقوق المعتقل السياسي بالذات . هناك فئات معذبة من المعتقلين السياسيين المصنفين علي أنهم من التيار الجهادي يعانون في سجن أبي زعبل " ولا يزورون إلا عن طريق السلك ، وفي سجن المرج كارثة إنسانية تحدث بكل المقاييس وبالأمس القريب نشرنا تقريراً عن أوضاع المساجين والمعتقلين السياسيين . أوقفوا زيارات السلك داخل السجون المصرية ، فهي وصمة عار في جبين النظام السياسي وفي جبين وزارة الداخلية المصرية ،وسيبقي ملف السجون والمعتقلين السياسيين نازفاً ومهينا لضمائرنا ولإنسانيتنا ، وهو أحد الملفات التي لا بد وأن تفتح علي مصراعيها للوصول إلي حل بشأنها ،ومسئولية النواب الجدد في البرلمان في تولي هذا الملف وإدارته هي من الأولويات التي لا تحتمل التأخير . التمييز بين المعتقلين السياسيين علي أساس مواقفهم الفكرية هو كارثة إنسانية بكل المعايير والمقاييس ، فتطبيق القانون لا يعرف تمييزا علي أساس مواقفهم الفكرية ولكن علي أساس المساواة بين الجميع ، هل معقول أن تتحول السجون إلي محاكم للتفتيش عن الفكر والضمير. مريم ناصر محمد عبد الحافظ عثمان من حقها أن تزور أباها ومن حق أمها أن تزور زوجها بدون سلوك وبدون مراقبة ، فالرجل معتقل ولم يقدم لمحاكمة منذ 12 عاما وحتي اليوم ، ثم ينتهي به المطاف إلي أن يحرم من ملامسة ابنته التي ولدت ولم تره . لا حرية للوطن كله ولا أمل في التغيير مالم يطرح ملف المعتقلين السياسيين بشفافية ومسئولية ونزاهة للإنهاء ، فهو وصمة عار في جبين نظام مبارك ، وهو ملف يقلق ضمائر المنظمات الحقوقية وضمائرنا جميعا ولا يمكننا التحول نحو التغيير مالم يوضع ملف المعتقلين السياسيين علي أولوياتنا جميعا ، ويتم تحرير هؤلاء الرهائن المختطفين بلا معني من قبضة نظام لم تحركه مظاهرات الأمهات والبنات والأبناء والزوجات ، سيظل ملف المعتقلين يطاردنا في حياتنا ويشعرنا أنه سيف مسلط في وجهنا جميعا . [email protected]