قبيل الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، من الحكم في 3 يوليو 2013، بدا أن هناك توافق لدى فصيل كبير داخل السلطة القضائية يريد إزاحة جماعة الإخوان المسلمين، فيما لاحقت الأحكام القضائية المئات من الجماعة وأنصارها بعد ذلك، وتحديداً عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة. وأمس الأربعاء، أقر مجلس النواب، تعديلات لقانون السلطة القضائية تمنح رئيس الدولة حق تعيين رؤساء هيئات قضائية، وهو ما اعتبره قضاة أنه يخالف الدستور، وينتهك استقلال القضاء. وفي أول رد فعل قوي هدد نادي القضاة بالاستقالة؛ احتجاجا على إقرار البرلمان التعديلات، كما هدد نادي قضاة مجلس الدولة بتدويل القضية. ويرى مراقبون أن النظام، تمكن من تحجيم القضاة، بعد أن كانوا شوكة يصعب كسرها زمني الرئيس الأسبق حسني مبارك وحكم الإخوان. ففي 2005 وجد القضاة ظهيراً شعبياً كبيراً في أزمة الانتخابات التشريعية آنذاك، حين كشف العديد منهم محاولة نظام مبارك لتزوير الانتخابات، كما تعرض عدد منهم للاعتداء من قبل الشرطة، في الدوائر الساخنة وقتها. وتحول مقر نادي القضاة في القاهرة آنذاك، إلى قبلة لأعضاء حركة كفاية "لا للتمديد …لا للتوريث"، وشباب من أجل التغيير والحركات السياسية المطالبة بالتغيير، كما هتف لهم جموع المتظاهرين "يا قضاة خلصونا من الطغاة". وبالتوازي مع تولي "مرسي" الرئاسة (2012: 2013) حشد معارضون لمرسي مئات المتظاهرين للدفاع عن القضاة، إثر الحديث وقتها عن تشريع برلماني يخص السلطة القضائية، قال متبنوه إنه قانون يحفظ استقلالية القضاء، بل ويضارع مثيله في دول العالم المتحضر. وكشف ثروت نافع، البرلماني السابق، عبر فيسبوك، اليوم، أنه رداً على ذلك التشريع "أرسل لنا الزند إنذاراً غير دستوري، ومهين في لغته للمجلس مما دعاني لتمزيقه علي الهواء، لأني اعتبرت انه إنذار للشو الإعلامي، والرد عليه لابد أن يكون مثله". وأضاف نافع "تمادى الزند ومن معه بأن أعلنوا في مؤتمر صحفي على الهواء، مقاطعتهم للسلطة التشريعية، وعدم العمل بتشريعاتها جميعاً مما يعتبر إخلالاً دستوريا بوظيفتهم، يضعهم تحت طائلة القانون ولكن للأسف خضع الإخوان (وهم الأغلبية) لهذا الابتزاز، رغم امتناعنا عن حضور الجلسات والتهديد بالاستقالة، ورفضوا مناقشتنا لمشروع القانون إرضاءً للزند، بعد مكالمة بين رئيس المجلس ورئيس الجمهورية آنذاك". وقال نافع "السؤال هنا، أين هذا الزند وعشيرته، من القانون المهين الذي أُقر اليوم علي عجل، والذي تتغول فيه السلطة التنفيذية، ممثله في رئيس الجمهورية، علي السلطة القضائية ؟؟وأين النواب الذين ارتدوا أوشحه ترفض مجرد مناقشه القانون (وكان يمكنهم رفضه)، رغم أن المناقشة من واجبهم الدستوري؟". فيما يقف القضاة الآن بلا ظهير سياسي، لسببين، بحسب الناشط الحقوق عزت غنيم، مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، أولهما أن "إعلانات صحف السلطة عن مكافآت شهرية للقضاة في ظل حالة اقتصادية مهترئة وقد يكون أغلبها وهمي ومقصود"، أفقد القضاة أي ظهير شعبي في معركتهم ضد النظام. ثانياً، وفق "غنيم" يتمثل في أن "أحكام قضائية كثيرة أثارات الرأي العام ضدهم من أحكام بالإعدام بالجملة في قضايا سياسية إلى أحكام بالتنازل عن الأرض (تيران وصنافير) من محاكم غير مختصة". وجاءت موافقة البرلمان أمس الأربعاء بأغلبية الثلثين من أعضاء المجلس، البالغ عددهم 596 نائبا، دون توضيح العدد الموافقين بدقة، حيث يجرى التصويت في البرلمان برفع اليد عند الموافقة، ويقرر رئيس البرلمان الموافقة من عدمها، استنادا إلى تقدير العدد. ودعا نادي القضاة "السيسي" إلى "عدم التصديق علي قانون السلطة القضائية لمخالفته الدستور". ومن حق الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفق الدستور، أن يصادق على التعديل وينشره في الجريدة الرسمية، أو يرفضه ويرسل تعديلا به إلى البرلمان مرة أخرى للنظر فيه. ودعا نادي قضاة مصر إلى "عقد جمعية عمومية للقضاة بدار القضاء العالي وسط القاهرة، في 5 مايو المقبل، وتتضمن التعديلات، التي جرى إقرارها، استبدال نصوص في قانون السلطة القضائية خاصة بتعيين رؤساء الهيئات القضائية وهي: النيابة الإدارية، وهيئة قضايا الدولة، ومجلس الدولة، إضافة إلى مجلس القضاء الأعلى. وتشمل التعديلات، التي قدمها النائب أحمد الشريف، عضو ائتلاف "دعم مصر"، صاحب الأغلبية البرلمانية، في 20 ديسمبر الماضي، أن يعين رئيس الدولة رئيس الهيئة القضائية من بين ثلاثة من نوابها يرشحهم المجلس الأعلى للهيئة أو جمعياتها العمومية، من بين أقدم 7 نواب، خلال 60 يوما على الأقل، من خلو المنصب. وتنص التعديلات، التي تمت الموافقة عليها اليوم، على أنه إذا لم يتم الالتزام بتلك الضوابط يعين رئيس البلاد رئيس الهيئة القضائية من بين أقدم سبعة من نوابه مباشرة، وذلك على خلاف ما هو معمول به من اختيار أقدم نواب الهيئة رئيسا لها، وحصر دور رئيس البلاد في التصديق على الاختيار.