"....الولاياتالمتحدة لم تحظ بحليف أقوى من الأردن في الحرب على الإرهاب, والأردن لن يجد صديقا أفضل من الولاياتالمتحدة في هذه الأوقات الحرجة", وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في تصريح لها في 9 تشرين ثاني. هذا ليس فقط غلوّا. منذ العام 1991, عندما عارض الملك حسين حرب الخليج الأولى, كانت العلاقات العسكرية والاستخبارية الأردنية-الأمريكية في أحسن حالاتها. لذلك عندما تقول القاعدة في العراق أنّها شنّت هجومها ( لأن "طاغية الأردن" قد حول البلاد لساحة خلفية لأعداء الإسلام مثل اليهود والصليبيين)، فإنّ هذا الخطاب لا يجب تجاهله على الإطلاق. وعلى الرغم من أنه لا شيء يبرر الهجمات الانتحارية الثلاث على المدنيين الأبرياء التي وقعت في الأردن, إلا السرية المفروضة من قبل حليفنا الأردن, وسريتنا العالية جدا في الحرب على الإرهاب، مما يتركان مساحة تمكن الآخرين من التكهن بطبيعة عملنا هناك, وتفتح الباب للتخمينات ونظريات المؤامرة, الكذب وغيرها. وتسمح للإرهابيين بطبيعة الحال بتبرير أعمالهم بالقول إن النظام في الأردن هو مجرد دمية. ولذلك فإن السرية المفرطة والعالية جدا تقوض مصالح الشعب الأمريكي. الملك عبد الله الثاني, وهو قائد سابق للقوات الخاصة الأردنية قد أنشأ روابط عسكرية ومخابراتية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ليس لها مثيل. لقد نمى التعاون الاستخباراتي الأردني- الأمريكي في التسعينات بصورة كبيرة كما كان ينمو عدد العراقيين والتجارة العراقية في البلاد. اللاجئون العراقيون ورجال الأعمال الذين فتحوا محلاتهم في عمان قد تم ابتزازهم واستغلالهم, وأصبحت عمان محورا للعمليات المعادية لصدام. بعد 11/أيلول وطبقا للتقارير في "لوس انجلس تايمز", فإن الولاياتالمتحدة قد زادت من دعمها المالي والتقني لوحدة للمخابرات العامة الأردنية التي تعتبر اليوم من أكثر الحلفاء المؤثرين في محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط. مع العلم أن الولاياتالمتحدة قد أقامت وحدات استخبارات ومحطات مراقبة دائمة (SIGINT) في الأردن. وقد كان هناك العديد من التقارير الموثوقة التي يمكن الاعتماد عليها والتي تقول إن العديد من رجال الاستخبارات الأردنية والخدمات السرية قد قاموا بالكثير من "الأعمال القذرة" والخدمات لنظرائهم الأمريكيين من بينها التحقيقات وعمليات القتل المباشرة, وقد كانت الأردن محورا للعمليات الاستثنائية من خطف واستجواب المشتبه بأنهم إرهابيون, وقد قامت الأجهزة الأردنية بتعذيب واستجواب هؤلاء المعتقلين خدمة للولايات المتحدةالأمريكية. أغلب هذه الأعمال تتم خلف الظل وبكتمان شديد. لكن ليس الأمر كذلك بالنسبة للتعاون العسكري, فللولايات المتحدة والأردن برنامج نشط وفعال من التدريبات العسكرية وهناك تمارين سنوية مشتركة تتم منذ العام 1993 وسفن أمريكية تقوم بجولات منتظمة إلى العقبة, ومتدربون أردنيون في الولاياتالمتحدة. لقد تم تصنيف الأردن رسميا في 19/9/2001 على أنه منطقة قتال للمجندين الأمريكيين. والبلاد لم تقدّم قواعد عسكرية سرية لقوات الجيش الأمريكي وعناصر المخابرات فقط, بل كانت أيضا جبهة مهمة للعمليات العسكرية ضدّ العراق من الجهة الغربية للإطاحة بنظامه. وتعود هذه العلاقات العسكرية الحديثة بين الأردن والولاياتالمتحدة إلى آذار من العام 1995عندما أقام حوالي 1200 جنديا أمريكيا و34 طائرة أف-15 وأف- مخيما في قاعدتين جويتين "قاعدة الشهيد موفق السلطي الجوية" و"مهبط الأمير حسن" قرب الأزرق لحوالي ثلاثة أشهر من أجل تطبيق ومراقبة نظام فرض الحظر الجوي على جنوب العراق. وقد تحولت هذه القواعد في النهاية إلى جزء من الشبكات السرية للمنشآت الأمريكية في منطقة الخليج. وعندما أصبحت الحرب على العراق وشيكة في عام 2003, تدفق عدد كبير من القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية والاسترالية إلى البلاد. وفي 3 كانون أول من عام 2003, منحت الأردن حقوق طيران عامّة لهذه القوات من أجل إفساح المجال أمام حاملات الطائرات بالهجوم على العراق من منطقة شرقي البحر المتوسط. وعشية الحرب على العراق, كان رجال الحرس الوطني لفلوريدا يحمون القواعد العسكرية الأمريكية في الأردن ويدعمون عمليات القوات الخاصة على الحدود العراقية, وقد تم نشر 5 صواريخ باتريوت أمريكية حول العاصمة الأردنية التي انطلقت منها دوريات طائرات الاستخبارات على الحدود العراقية. مع بداية حملة "تحرير العراق", تمركز حوالي 5000 جنديا من القوات الأمريكية وقوات التحالف في قاعدة العمليات المشتركة في البلاد تحت قيادة اللواء جنوثان جرايشن. كما قامت المملكة المتحدة بنشر طائرات "الهارير" لدعم عمليات الإنقاذ في غرب العراق, كما نشرت استراليا فوج طيرانها الخامس. كل هذه المعلومات قد تم نشرها في مقالات عديدة وفي كتابي "كود نيمز". وذكرت الأسوشياتد برس بعد العمليات التفجيرية الانتحارية الأخيرة بأن "الجيش الأمريكي له حضور صغير في الأردن يبلغ 71 جنديا حسب آخر الإحصاءات". وطبقا للوثائق التي حصلت على بعضها على سبيل المثال, فإن الولاياتالمتحدة لها 4,1 مليار دولار كأصول موضوعة في الغالب من أجل منشآتها في عمان وقطر والبحرين, وهي تخطط لنقل الذخائر ونحوها من عمان وبلدان الخليج إلى الأردن لتجهيز نفسها على ما يبدو من أن تكون أقرب وأقوى على حدود سوريا. وطبقا للوثائق, فإن أكبر القواعد العسكرية في عُمان تعتبر بعيدة جدا لتعبئة وقيادة العمليات بشكل فعال, بالإضافة إلى أن ثاني أكبر قاعدة وهي العديد في قطر, قد بلغت سعتها القصوى. ورغم أن هذه الوثائق مصنفة "سرية" لأنها تصف قواعد عسكرية "سرية" في أماكن وبلدان حساسة كالأردن, فإنها أيضا تقول إن شركة دين "دين كوربوريشن" توظف 1600 شخصا إضافيا في 10 مواقع إضافية لإدارة المخزون الاحتياطي, فكيف يكون الأمر سريا؟ بالتأكيد ليس للذين يعملون به. وفي تصريح لوكالة أسوشييتد برس قال الناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية لورانس دي ريتا: "لدينا بعض الترتيبات الأمنية اللوجستية مع الأردن والتي لا نود الخوض بها". وهذا النوع من الكذب بشان حقيقة الوجود الأمريكي والعلاقات الاستخباراتية مع الحكومات الأجنبية يقوضان في النهاية الحرب على الإرهاب. أنا مع التشريعات السرية لحماية العمليات الاستخباراتية الأمريكية, لكن "السرية" الرسمية الموضوعة لتمويه ما يبدو ظاهرا وجليا للسكان المحليين والرجال السيئين, تهدف إلى إنكار ما يتم العمل به باسم الشعب الأمريكي, وهذا لا يساعد في فهم الاستهداف المجنون لعدونا الإرهابي. المصدر : العصر ، عن: الواشنطن بوست 16/11/2005