واضح جدا أن الفكرة الأساسية التي تسيطر على دعاة مايسمى بالتجديد الديني هي فكرة التعايش مع الآخر ليس على أساس الاختلاف الطبيعي بين البشر في العقيدة والمذهب .. و لا على أساس احترام الدستور والقانون وحقوق المواطنة وواجباتها كما هو الحال في كل دول العالم .. إنما تقوم في أذهان هؤلاء على أساس الإكراه في الدين وعلى أساس أن يتنازل المسلم - وحده - عن ثوابت دينه ، وأن يجبر على اعتقاد صحة جميع العقائد المغايرة لعقيدته وخصوصا المسيحية على وجه الخصوص وبهذا الاعتراف الذي يخالف ألف باء العقيدة الإسلامية يريد فقهاء السلطان أن تقوم الوحدة الوطنية ويعم السلام والأمن ربوع البلاد ولو على أنقاض الأزهر الشريف .. وهو تصور غريب جدا لايوجد له في العالم مثيل .. فهناك بلاد كالهند مثلا فيها عشرات الأديان والمذاهب ومع ذلك لايطلب من السيخ أن يعترفوا بصحة إيمان الهندوس ولا يطلب من الهندوس أن يعترفوا بصحة إيمان المسلم ولا المسيحي وهكذا .. وإنما للجميع يتعايش في ظل حرية الاعتقاد والتعبير عن عقيدته في الحدود التي رسمها الدستور والقانون . لكن لاأحد يطالب المسيحي مثلا أن يتنازل عن نص ديني في الكتاب المقدس لديهم ولاأحد يطالب المسيحي أن يعترف بصحة إيمان المسلم .. بل لاأحد يطالب الأرثوذوكسي أن يعترف بصحة العقيدة الكاثوليكية ولا العكس وهكذا هذه بديهيات ومسلمات يعترف بها العالم كله وتدخل في إطار حرية الاعتقاد . والشىء المؤلم حقا أن نجد من بين هؤلاء المنادين بتلك التنازلات والثوابت .. بعض علماء السلطة ممن يتملق السلطة ويقدم نفسه كمنقذ لما تعيشه البلاد والعباد من إرهاب وتفجيرات ترتكبها جماعة مجرمة مغيبة لاتعترف بالفكر أصلا ، ولا بمؤسسات الدولة ، ولا بالأزهر ، وإنما فقط بفكرة شيطانية تتمثل في الفوز السريع المتوهم بالجنة عن طريق الجهاد غير المقدس تحت راية عمية لانعرف لهم أصلا من فصل .. ولاتلتزم بأي فقه ولا مبدأ ولا هدف ولا حتى مطالب محددة يمكن التفاوض بشأنها وإنما هدفها فقط القتل من أجل القتل .. لكن هذا كله لايعني تزييف العقائد . والأخطر من ذلك أن مثل هذه الإكراه على الدين والتزييف لحقائق القرآن الكبرى .. هو تصور هؤلاء أن الإسلام مصري الجنسية وأن ما يقرره هؤلاء العلماء في مصر ستخضع له العرب والعجم .. ونسوا أن عدد المسلمين في مصر لايشكل إلا نسبة قليلة بالمقارنة بعدد المسلمين العرب وغير العرب .. وبالتالي عندما يعتمر المصري أو يحج أو حتى يقلب قنوات الفضائيات سيكتشف أن اسلام يختلف عن اسلام العالم كله .. ناهيك عن أنه سيفقد الثقة والمصداقية في النظام المصري كله ويؤكد كلام المتطرفين والإرهابيين من أن النظام يحارب الإسلام فعلا ، كما يمكن أن يؤكد لهم أن ثمة أجندة أمريكية يتم تمريرها الآن مستغلة تلك الأحداث الإجرامية ، ويفقدوا الثقة من ثم ( وهي أصلا مفقودة ) في هؤلاء العلماء لأن النص القرآني الذي يستمع إليه المسلم ويقرأه .. له من القوة ما يدحض ويزهق الباطل ويكشف هذا التلاعب الفج في حقائق الدين . واللهم هل بلغت اللهم فاشهد