لا شك أن من أهم مكتسبات ثورة يناير، هى فتح آفاق واسعة لحرية الرأى بعد عدة عقود من قمع الأفكار وتكميم الأفواه، والتعبير عن الرأى له وسائل عديدة منها، صناديق الانتخاب ووسائل الإعلام المختلفة ومنظمات المجتمع المدنى من نقابات واتحادات مختلفة، ولا يختلف أحد على أن حرية الرأى والتعبير هى حق دستورى مكفول لكل مواطن يجب أن يعزز وتعطى له كافة الضمانات ومنها منع حبس أصحاب الرأى فى قضايا الرأى. وفى ظل وجود تيارات سياسية عديدة مختلفة فى الأيديولوجيات والمذاهب الفكرية سوف نشهد سجالاً بين كل الأطياف السياسية فكل طرف سيعرض أفكاره ومنهجيته وسيختلف مع الآخر وهذا أمر طبيعى ويمثل حراكًا فى الحياة السياسية الشديدة الجمود منذ فترة طويلة جدًا. ولكن السؤال الذى يطرح نفسه كيف يمكن أن تطرح وجهة نظرك وكيف تختلف مع الآخر؟ بداية هناك ضوابط ومعايير أخلاقية فى التعبير عن الرأى أولها أن يكون التعبير عن الرأى لا يتعرض من قريب أو بعيد للذات الإلهية أو الرسائل السماوية أو ثوابت الدين لدى الآخر، أيضا أن تكون حرية الرأى لا تحتوى على تجريح أو تطاول أو سخرية لشخص الآخر، ومن المهم جدًا أن يكون رأيى يشتمل على أفكار واضحة مرتبة و مبررات موضوعية ومنطقية للفكرة التى أسوقها بنبرة هادئة دون ضجيج أو تشنج لأن الضجيج والتشنج من سمات المفلسين الذين لا يستطيعون مقارنة الحجة بالحجة وبالتالى يلجأون للصوت العالى عسى أن يجدوا فيه ضالتهم وهو أمر غير صحيح ومكشوف. ولا يجب أن ننسى و نحن نعبر عن رأينا- خاصة إذا كان يحتوى على مطالب- قيمنا الدينية والأخلاقية التى تؤكد توقير واحترام الكبير وإعطاءه قدره دون أن ينال ذلك من المطالب، من المهم أيضًا ألا يهدف للإثارة والتحريض والفتن، وألا يكون فيه خداع أو غش بحيث يكون الرأى حسب الهوى أو البيئة الزمانية والمكانية التى يقال فيها، وألا يكون صاحب الرأى متلونًا له ألف قناع. أخيرًا لا يجب خلط المصالح الشخصية بالمصلحة العامة بمعنى أن يحشد صاحب الرأى الأنصار من أجل قضايا تبدو فى ظاهرها قضايا عامة وفى باطنها تحتوى على مصالح شخصية، هذا عن حرية الرأى فماذا عن الاختلاف؟ أعتقد أن علينا أن نؤمن بالمقولة الشهيرة التى تشير إلى أن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، بمعنى ألا يكون الاختلاف سببًا للفرقة والفتنة ولا يكون سببًا لبداية حملة من الاتهامات بالتخوين والعمالة والتهديد المستتر والصريح لمجرد الاختلاف، فمن المهم جدًا أيضًا عند الاختلاف أن نستوضح لماذا اختلف معنا الآخر ونقرأ له وندرس أسانيده وحججه لعل رأيه صواب وبدلاً من مقارعته ومجادلته نرجع إلى الحق أى كان موقعه ولا تأخذنا العزة بالإثم ولو فرضنا أننا أسأنا للآخر بشكل أو بآخر لا غضاضة على الإطلاق أن نعتذر لمن أسأنا إليه واثقين أنه هذا لن يقلل من قدرنا بل يزيد احترامنا لأنفسنا وبالتبعية احترام الناس لنا.