المواطنة صفاء الكومي التي تسكن في إحدى قرى مدينة تلا بالمنوفية ، تعدى جار لها على حقوقها في الشارع الذي يسكنون فيه واغتصب مساحة أرض من الشارع أضرت بالسيدة وأسرتها وسكنها ضررا بالغا ، وقد تقدمت بشكوى ، أو بالأحرى شكاوى عديدة إلى مختلف الجهات ، المحافظ ، ومجلس المدينة ومديرية الأمن ، وقد أقر مجلس المدينة أن ما فعله الجار هو اغتصاب واعتداء غير قانوني بالفعل ، وبعد إلحاح صدرت ثلاثة قرارات إزالة لهذا الاعتداء منذ العام 2014 ، لكن أيا من تلك القرارات لم ينفذ ، وحاولت السيدة وأبناؤها الحصول على حقهم القانوني بأي سبيل فلم يجدوا في مصر سبيلا للحصول على حقهم بالقانون ، فقررت صفاء بعد ثلاث سنوات من المعاناة والقهر الدخول في إضراب عن الطعام هي وأولادها حتى يسمع أحد بشكواهم وينفذوا القرار ويزيلوا الاعتداء ، لكن المسئولين وضعوا أذنا من طين والأخرى من عجين ، ولم يعنهم أن تضرب صفاء وأولادها عن الطعام أو حتى يموتوا ، كما أن الجهات الطبية والأخرى لم يعنهم المتابعة الدقيقة والفاحصة للحالة الصحية للمواطنة المضربة عن الطعام ، خاصة وأنها ليست صغير السن فهي في الخامسة والخمسين من عمرها ، وعندما اجتمع الإحساس بالقهر مع وهن الجسم بفعل الإضراب عن الطعام لمدة أربعة عشر يوما كاملا ، فاضت روح "صفاء" إلى بارئها ، ماتت وهي تشكو الظلم والفساد واحتقار كرام الإنسان وحياته في مصر ، وبعد إعلان وفاة "صفاء" وتأكد الجهات الرسمية من أنها غادرت الحياة الدنيا قامت قوة كبيرة من مديرية أمن المنوفية وقسم الشرطة ومجلس المدينة بتنفيذ قرار إزالة الاعتداء على منزل صفاء ، ولكن المشكلة أن صفاء ماتت ، ولن يسعدها الآن كثيرا أن تتفضل الحكومة المصرية بتنفيذ القرار وأن تعيد لها حقها . أبناء الضحية يقولون أن سبب تعطيل التنفيذ هو نفوذ أسرة الجار المعتدي ، وهو كلام تحصيل حاصل ، ويمكنك أن تفهمه بدون أن يذكره ، لأن القانون الأساسي في مصر ، قبل أي قانون وقبل أي دستور هو : اللي له ضهر ما ينضربش على بطنه ، وطالما أن ضهرك "جامد" في أي جهة رسمية ذات سيادة ، أو كنت من الأدوات الداعمة للنظام وملحقاته ، فيمكنك أن تفعل ما بدا لك ، وتأكد أن أحدا لن يقترب منك مهما فعلت ، بل ومهما اقترفت من جرائم ، وهذا مع الأسف هو ذات القانون الذي دمر أمما من قبل وأهلكها ، كما ورد في الحديث الشريف : كانوا إذا سرق فيهم الشريف "صاحب السلطة والمكانة" تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف "المواطن الغلبان" أقاموا عليه الحد ، فالقانون هنا لا يسري على صاحب "الظهر" القوي . موت "صفاء" يبدو أنه أحرج الأجهزة المختلفة ، فكل منهم يرمي المسئولية عن عاتقه ، مجلس مدينة تلا ، قال أن مسئوليته عن تنفيذ قرارات الإزالة تتوقف عند توفير المعدات والأجهزة اللازمة ، وأما موعد التنفيذ فهو متروك لتقدير الجهات الأمنية ، والغريب أن الجهات الأمنية في المنوفية ذهبت منها قيادات وجاءت قيادات وتغيرت وجوه وأسماء ، ثلاث سنوات ، دون أن يفكر أحد منهم في تنفيذ قرار الإزالة وتنفيذ القانون ، ولكن بعد يوم واحد من موت "صفاء" قامت قوة أمنية مكبرة بقيادة اللواء مساعد مدير أمن المنوفية مع قسم شرطة تلا بتنفيذ قرار الإزالة ، والطريف إن كان في المأساة طرافة أن رئيس مجلس المدينة قال أنهم سارعوا لتنفيذ قرار الإزالة لتهدئة الرأي العام الغاضب ، أي أنه ليس لوجه الله ولا الوطن ولا القانون ولا العدل ، وإنما اتقاء غضب الناس . في حالة الإضراب عن الطعام يتم وجوبيا إبلاغ النيابة العامة خلال يومين ، ولا أدري هل تم إخطار النيابة أم لا ، وهل تم فتح تحقيق قضائي في الإضراب عن الطعام أم لا ، وهل استمعت أي جهة قانونية لأقوال المضربين أم لا ، لكن لجنة الحكم المحلي بمجلس النواب أعلنت أنها قررت التحقيق في الواقعة واستدعاء أبناء "صفاء" لسماع أقوالهم ، ولكن هذا "الواجب" كله يحدث بعد موت "صفاء" وليس بعد إعلان إضرابها عن الطعام ، حيث كان هناك أمل بتنفيذ القانون وحماية روح المواطن . رخيص هو الإنسان في بلادنا ، رخيصة هي الحياة ، رخيص هو القانون ، رخيصة هي الدولة .