تردد قيادات الإخوان وكوادرها على آذان الناس أن المهندس محمد مرسى هو المرشح الأفضل لمنصب رئيس الجمهورية؛ لأنه لم يطلب المنصب كما فعل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح.. مستدلين فى هذا السياق بقول النبى صلى الله عليه وسلم بشأن من يطلب المنصب العام: "إنا لا نولى هذا من سأله ولا من حرص عليه"، وفى رواية لمسلم أنه قال: "لا نستعمل على عملنا من أراده".. فهل حقًا الإسلام لا يمنح المنصب العام لمن يطلبه ويسعى إليه؟ والحقيقة أن لا.. فعن أبى ذر قال: قلت يا رسول الله ألا تستعملنى؟ قال: فضرب بيده على منكبى ثم قال: "يا أبا ذر، إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها".. ومن هذا الحديث الشريف يتبين أن علة منع الإمارة عن أبى ذر رضى الله عنه هى ضعف الكفاءات لديه، وليس لكونه قد طلبها وسعى إليها. كما أن القرآن الكريم يُجيز للإنسان صاحب الكفاءة أن يزكى نفسه للمنصب العام، متى كان ثمة نقص فى الكوادر المؤهلة لشغله.. تمامًا كما زكى نبى الله يوسف نفسه بقوله: "اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم".. ولو تقاعس النبى يوسف عليه السلام عن طرح نفسه للمنصب العام فى انتظار من يُزكيه؛ لأتت سنوات القحط على مصر بأسرها فى ذلك الزمان. المبرر الثانى الذى تسوقه الجماعة وكوادرها لإبراز أفضلية المهندس على الدكتور هو أن المهندس ينصاع لما تسفر عنه الشورى فى حين أن الثانى غير ذلك.. وإذا ما أمعنا النظر فى المقصود بالشورى لوجدناها: "تقليب النظر العقلى فى أمر من الأمور رجاء الوصول لوجه الصواب فيه، ومن ثم اتخاذ القرار الصائب بشأنه".. وقد استبان بما لا يدع مجالاً للشك أن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح حين طرح نفسه للمنصب العام كان أقدر على استشراف المستقبل، وأنفذ بصرًا وبصيرة من هؤلاء الذين فصلوه ثم عادوا واتخذوا نفس موقفه بعد عام ونصف العام بترشيح المهندس خيرت الشاطر أولاً ثم المهندس مرسى كبديل له ثانيًا بعدما اتضحت لهم الرؤية واستبانت المواقف! إن الشورى كنهج حياة للمسلمين تقتضى إعمال العقل وقراءة الأحداث وتحليل المعطيات وتستوجب المقارنة والتحليل والتقويم والتقييم والتساؤل والشك والنقد والتفسير.. لنصل إلى القرار الصائب فى الوقت المناسب.. ولو حدث وأسفرت الشورى بعد كل ذلك عن القرار غير الصائب يكون الاعتذار أولى، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب بشأن أسرى بدر الذى أسفرت الشورى فيهم عن أخذ الفداء، ونزل القرآن الكريم مؤيدًا لرأى عمر الذى كان يرى فيهم القتل.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كاد ليمسنا فى خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم، ولو نزل العذاب ما أفلت إلا عمر. فهل تعتذر قيادات الجماعة للدكتور وتجنب الصوت الإسلامى التفتيت؟.. أم تُراها تنتصر لفكرة السمع والطاعة على حساب حرية الفكر وإعمال العقل؟ [email protected]