ثلاثة رجال من الوزن الرسمى الثقيل، قبلوا أن يضحوا بسمعتهم، أو ما تبقى منها، وأن يتم استخدامهم وتوظيفهم كأدوات أو كأكباش فداء لتنفيذ تعليمات غير أخلاقية أو غير قانونية أو غير وطنية أصدرها لهم مجلس عسكرى يوشك أن يغادر السلطة ويسلمها لحكام جدد. فلماذا قبلوا ذلك؟ ووفقًا لأى حسابات؟ الأول هو المستشار عبد المعز إبراهيم، رئيس محكمة استئناف القاهرة، ورئيس اللجنة العامة للانتخابات البرلمانية، الذى ارتكب فعلا قضائيا فاحشا فى الطريق العام على مرئى ومسمع من الجميع، فساعد فى عملية تهريب المتهمين الأمريكان فى قضية المنظمات الأجنبية، مرتكبًا بذلك عدة انتهاكات دستورية وقانونية حزمة واحدة، بدءا بانتهاك استقلالية القضاء على أيدى السلطة التنفيذية، وانتهاء بالمشاركة فى انتهاك السيادة الوطنية على أيدى الإدارة الأمريكية، ناهيك عما سببه من جرح بالغ للكرامة الوطنية واستخفاف بالقيم الثورية الوليدة لجموع المصريين. والثانى هو اللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية، ومدير المخابرات العامة السابق، الذى قبل أن يكون أداة للمناورة فى موقف صغير فى انتخابات الرئاسة فرشح نفسه فى الدقائق الأخيرة، ليثير عاصفة محسوبة ومتوقعة من الغضب والاستياء، ثم يتم الإعلان عن استبعاده لسبب تافه هو نقصان 30 توكيلا من الثلاثين ألفا المطلوبة، فتسود حالة من الارتياح العام المحسوب والمقصود هو الآخر، تستخدم لتمرير قرارات مماثلة باستبعاد الشاطر وأبو إسماعيل، ولامتصاص ردود الفعل المحتملة. والثالث هو الشيخ الدكتور على جمعة، مفتى الديار المصرية، الذى قام بزيارة القدسالمحتلة بالمخالفة للإجماع التاريخى، الوطنى والعربى والإسلامى، فقبل على نفسه وعلى منصبه الجليل أن يستخدم كأداة طيعة فى أيدى المجلس العسكرى وآخرين لبدء نوع جديد من التطبيع مع العدو الصهيونى هو التطبيع الدينى فى إطار الصراع الجارى على السلطة بعد الثورة، عبر تسابق الجميع على كسب رضا الأمريكان ومباركتهم. *** والسؤال الذى يتبادر إلى الذهن فورًا هو: لماذا تقبل شخصيات بهذا الوزن الوظيفى، فى نهاية مشوارها الطويل، أن يتم حرقها هكذا، واستخدامها كأداة فى نقلات شطرنجية صغيرة أو لتحقيق مكاسب تكتيكية محدودة لصالح نظام قديم، قامت ضده ثورة ويوشك أن يذهب إلى حال سبيله؟ خاصة مع وجود توجهات شعبية قوية لمحاسبة ومحاكمة كل رموزه وأنصاره ورجاله؟ لا يمكن أن تكون الإجابة هى أن إخلاص ووطنية هذه الشخصيات هى التى دفعتهم إلى التضحية بسمعتهم وتاريخهم فى سبيل الوطن وما يرونه من مصلحة عامة، لسبب بسيط ومنطقى، وهو أن مثل هذه الصفات الوطنية لا يمكن أن تتوافر فى رجال خدموا نظام مبارك وكانوا شركاء وشهودا على كل جرائمه، ولم يقدموا استقالاتهم أو يعترضوا. كما لا يمكن أن تكمن الإجابة فى الجهل والخطأ فى الحساب وسوء تقدير العواقب، وهم من هم، فى أعلى مراكز الدولة، وفى القلب من مطابخها الرئيسية، بكل ما يتيحه ذلك من حنكة ودراية ببواطن الأمور. ولكن الأغلب أنهم يرون ما لا نراه، أو ما لا نريد أن نراه: يرون النظام القديم قويا، باقيا، مستقرا، متمكنا، ما زالت له السيادة والسيطرة والمقدرة على احتواء الثورة أو إجهاضها.. فقرروا أن يواصلوا خدمته بنفوس مطمئنة واثقة من أنه سيشملهم برعايته وحمايته وسيكافئهم على كل ما يقدمونه له من خدمات. *** أما نحن فعلينا ألا نستهين أبدا بتحركات ومواقف مثل هذه النوعية من "كبار كبار" رجال دولة مبارك، فمواقفهم وانحيازاتهم الحالية، تحمل دلالات ومؤشرات هامة وكاشفة لما يدور فى بطن الدولة والنظام الذى لم يسقط بعد. [email protected]