(1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه " صنفانِ من أهلِ النارِ لم أرَهما، قومٌ معهم سياطٌ كأذنابِ البقرِ يضربون بها الناسَ، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مميلاتٌ مائلاتٌ، رؤوسُهنَّ كأسنِمَةِ البختِ المائلةِ، لا يدخلْنَ الجنةَ ولا يجدْنَ ريحَها، وإن ريحَها لتوجدُ من مسيرةِ كذا وكذا ".
(2) في هذا الحديث يتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن (صنفين) من أمته سيأتون من بعده، الزبانية الظلمة، والكاسيات العاريات، وضمهما حديث واحد وكأن بينهما رابطة ما، وهذا ملمح يجدر الإلتفات إليه، أن الصنفان بينها إرتباط زماني في الغالب، إذ لا تنتشر الكاسيات العاريات في المجتمع المسلم في الغالب إلا في حراسة الحكام الظلمة الذين يقمعون الناس ويمنعونهم من إزالة هذا المنكر، إذ أن طبيعة المجتمع المسلم لا تسمح بوجود الكاسيات العاريات في الشوارع وخروجهن من البيوت دون إنكار، فالطبيعي أن يمنع الأب إبنته والزوج زوجته من الخروج هكذا، والطبيعي أن ينكر الناس هذا إذا رأوه في الشوارع، إلا أن تستظهر الكاسيات العاريات بظهير من الأنظمة القمعية التي تقمع اهل الحق من جانب، وتطلق العنان للكاسيات العاريات المائلات المميلات ولمن مال معهن من أهل الأهواء، وفي الوقت ذاته فإن الحكام الظلمة يساعدهم ظهور الكاسيات العاريات، فهؤلاء يحبون أن تشيع الفاحشة في الناس ليكونوا أكثر انقيادًا، فعبيد الشهوات يسهل قيادهم ويسهل شراؤهم ويسهل ابتزازهم، أما عباد الله الصالحين فيصعب معهم كل ذلك، فبين الصنفين إذًا (الذين ينكلون بالناس) و(الكاسيات العاريات) رابطة زمانية وعضوية فسرت إجتماعهما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
(3) لذلك كثيرًا ما تكرر في كتب التاريخ الإسلامي أن يأتي حاكم عادل (فيبطل المكوس والمظالم) و(يغلق الملاهي والحانات ويبعد أهل الخلاعة) أو ما ابه ذلك من الأوصاف، وذكرت ذلك كتب التاريخ الإسلامي عن صلاح الدين الأيوبي، ونور الدين محمود، والسلطان ملكشاه، والمعتضد بالله العباسي، وأبو الحسن المريني، وغيرهم، فحينما يوجد العدل تبطل المظالم وتنكسر الخلاعة، والعكس بالعكس.
(4) ويعد هذا الحديث الشريف مما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغيب الذي أعلمه إياه ربه، ولم يكن يعلم المسلمون حتى سنوات قريبة ما هن الكاسيات العاريات، حيث كان الستر واضحًا وكان العري فاضحًا، حتى جاءت سنوات خداعة – في كل شيء – ومنها ملابس، فكان ظهور الكاسيات العاريات، المرتدين لملابس تلتصق بأجسامهن فتجسمها كأنها عارية بحيث أن من يرى ظلها لا شك في أن هذا ظل جسد عار، فكان هذا الحديث من دلائل النبوة التي رأيناها قبل سنوات.
(5) لكن ما لم يكن متصورًا أو متخيلًا – وإن كان يندرج أيضًا تحت حديث الرسول هذا وتحت حديثه عن السنوات الخداعات – أن تظهر المحجبات العاريات !!، وهن فتيات يدعين أنهن محجبات، بينما يرتدين نفس ملابس الكاسيات العاريات بالضبط، خاصة في الشتاء، فتجد إحداهن ترتدي البوت الذي يجسم ساقيها حتى الركبة، ثم بنطلون جينز أو ستريتش ملتصق أشد الالتصاق بالجسد، ثم (بلوزة) ستريتش في غاية الضيق، ثم بعد هذا كله تضع غطاء على شعرها، غطاه بالكامل أم لم يغطه، وأحيانًا تعري بعضهن جزءً من نحرها بين البلوزة وغطاء الرأس، أو تعري جزء من يدها ربما حتى المرفق، فتجمع بين الزي الملتصق والكاشف، بحيث لو صورت فتاتان إحداهن من التي تدعي الحجاب والأخرى ليست كذلك وحذفت الرأس من الصورة فإن أحدًا لن يعرف أيتهن التي كانت تغطي شعرها !.
(6) إن وجود تجاوزات في الزي الشرعي المسمى الحجاب ليس قضية جديدة، فلطالما حدثت تجاوزات مردها إلى الجهل أو المعصية، ولكن ما يحدث حاليًا شيء آخر مختلف، وهو ليس بتجاوز، وإنما هي ملابس فاضحة بكل معنى الكلمة وتوضع تحت خانة الحجاب، وهنا لا يمكن فصل ما يحدث عن السياق العام الذي نعيش فيه.
(7) لا يمكن النظر لهذه الظاهرة المدهشة إلا في إطار المحاولات المستمرة لإصدار (طبعات جديدة) من الإسلام تحاول إيجاد الحد الأدنى من الروابط مع الإسلام بحيث يكفل خداع الناس أو إقناعهم بالتخادع، فقط الحد الأدنى، بينما يحمل الجوهر كله ليذهب بعيدًا عن الإسلام ومراداته، لا يمكن الفصل بين فتيات يسرن بالزي الفاضح في الطريق عاريات فعليًا ويدعين أنهم محجبات فقط لأنهن يضعن شيئًا على رؤوسهن غطاها أو لم يغطها، وبين الذين يرتدون زيًا يشابه زي العلماء وما يقدمونه هو ابتذال ديني لا يمت للإسلام بصلة، وهو دين جديد بعيد عن دين الإسلام.
(8) هذه الظاهرة تكشف لنا عدة حقائق كنا ننكرها، أولًا: أن الصحوة تنسحب تحت ضربات مطارق الظالمين، ومع غياب العلماء بالموت أو السجن أو النفي، وثانيًا: أن كثيرًا من الفتيات يرتدين غطاء الرأس تحت ضغوط اجتماعية أو رغبة في الخلاص من كلام الناس أو لإرضاء البعض في العائلة أو خارجها، دون أن يكون عندهن أي قناعة حقيقية بالحجاب، فالتي ترتدي هذا الزي ليست جاهلة، فقد تجاوز مرحلة التجاوز، وهي تعلم أنها بعيدة عن الحجاب بل معاكسة له بزيها الفاضح، ومع ذلك تظل محتفظة بغطاء الشعر الذي يكفل لها استمرار (إدعاء الحجاب) لإرضاء نفسها أو تسكين الضغوط من حولها، وثالثًا: أنه رغم انسحاب الصحوة فمازال الإسلام لم ينسحب من حياة المجتمع رغم كل تجبر السلطويين والعلمانيين الذين يسيطرون جميع المنابر الإعلامية، ورغم غياب الدعاة وغيبوبة الأزهر وتواطؤ المؤسسة الدينية الرسمية أو تهاونها في أفضل الفروض، وانشغالها بحروب الحكومة السياسية، وإلا لما كانت هؤلاء الفتيات وأسرهن يحاولون التلفيق بين مظاهر الإسلام وبين اتباع هواهم، ولا يحملهم على هذا إلا أن للإسلام رصيد عند الناس ما زال يرجى رغم كل الحملة الشعواء التي تريد تغييبه من حياة الناس بمختلف المسميات. (9) هي أزمة ذات جوهر واحد، الذين يواجهون الإسلام بطبعات جديدة مزيفة حتى يشتبه الأمر على الناس فتستأصل الطبعة الحقيقية في الزحام ولا يبقى بعدها إلا الطبعات المزيفة. م/يحيى حسن عمر عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.