إذا صدقت استطلاعات الرأي التي تجري في الدولة العبرية منذ أسابيع، فإن حزب شارون الجديد الذي أسسه بعد تركه الليكود، سيحصد ما يزيد عن (35) مقعداً من مقاعد الكنيست، مقابل حوالي (25) مقعداً لحزب العمل بزعامته الجديدة (عمير بيريتس)، اليهودي المغربي الذي أطاح بشيمون بيريس، في حين قد لا يحصل الليكود بزعامة نتنياهو سوى على عشرة مقاعد تنقص أو تزيد عن ذلك بقليل. هكذا سيتزعم شارون برئاسته لحزب "كاديما" أو "إلى الأمام" -بحسب الترجمة العربية- الساحة السياسية على نحو أكثر قوة، فهنا ثمة زعامة لا ينغص عليها مخالفون كما هو الحال في الليكود، بل زعامة مطلقة لها الحق في تحديد وجهتها السياسية بالطريقة التي تريد. السيناريو المتوقع لما بعد الانتخابات التشريعية في الدولة العبرية هو حكومة تتشكل من تحالف يتزعمه شارون إلى جانب حزب العمل ومعه "شينوي" وهو حزب علماني، وكذلك "ميريتس"، وهو حزب يقف على يسار حزب العمل، وهؤلاء جميعاً ستكون لهم غالبية مريحة لن يتمكن نتنياهو ومعه اليمين الديني المتطرف من التخريب عليها، لاسيما وأن رقمهم المتوقع في الكنيست لن يصل حدود الأربعين مقعداً في أحسن الأحوال. مسار هذا التحالف سيكون خليطاً من رؤية بيريتس في الملف الاقتصادي والاجتماعي، إلى جانب ما يقترب من الحسم لصالح رؤية شارون في الملف السياسي؛ وتحديداً ملف التسوية مع الفلسطينيين. وفي حين لن يبدي شارون أي اعتراض على اهتمام بيريتس بقضايا الفقراء التي تضرّرت من جراء سياسات نتنياهو الاقتصادية، بدليل وعده بشيء منها في خطاب إعلان الحزب الجديد، فإنه لن يسمح بكثير تحوير في مشروعه السياسي الذي يطمح أن يمنحه المكانة السامية بين زعماء الدولة العبرية التاريخيين. بالمقابل لن يجد أركان التحالف مع شارون من "العمل" وشينوي، وميريتس أدنى اعتراض على تسليم الملف السياسي لشارون طالما كان قادراً على تحريكه، وتوفير الدعم اللازم له من قبل صهاينة الولاياتالمتحدة وقادتها السياسيين، وهو موقف قد يختلف بعض الشيء -إذا وصل البرنامج إلى الطريق المسدود- في لحظة من اللحظات تبعاً لتطورات إقليمية ودولية، لكن الوضع الراهن يبدو في خدمة التحالف المشار إليه. ولكن ما الذي سيفعله شارون خلال المرحلة المقبلة؟ وما هو برنامجه السياسي الذي دفعه إلى ترك الليكود والبحث عن فضاء جديد يمنحه القوة وحرية التحرك في آن معاً؟ من الواضح أن (شارون- كاديما) لن يختلف كثيراً عن (شارون- الليكود)، فما كان يفعله سيواصل فعله، وما كان سيفعله لن يتوانى عن المضيّ فيه، اللهم إلا إذا وقعت انقلابات جديدة في الساحة السياسية المحلية والإقليمية تحول دون ذلك. في الوقت الراهن سيواصل شارون سياسة ابتزاز السلطة في سياق حرب الإرهاب، أي تفكيك الفصائل الفلسطينية، ومعها وإلى جانبها سياسة مطاردة رجال المقاومة، وبخاصة في الضفة الغربية واصطيادهم واحداً إثر الآخر، في ذات الوقت الذي سيواصل فيه سرقة الأراضي من أجل استكمال بناء الجدار، مع المضيّ قدماً في سياسة الاستيطان في القدس والضفة الغربية. على المدى المتوسط، وفي ذات السياق سيواصل شارون الضغوط على السلطة من أجل تكريس عزل دولة غزة عن الضفة، لكنه سيواصل الابتزاز السياسي بحيث يدفع تلك السلطة إلى عدم الاعتراض على مشروع الدولة المؤقتة، بحسب تعبير خريطة الطريق، أو الحل الانتقالي بعيد المدى بحسب تعبير شارون القديم، وهو مشروع يقوم على دولة فلسطينية منقوصة السيادة على قطاع غزة، ومجموعة كانتونات منفصلة عن بعضها البعض في الضفة الغربية؛ في حدود الجدار تقريباً إلى جانب غور الأردن، من دون القدس ومن دون عودة اللاجئين، وهذان البعدان الأخيران كانا في صدارة ما أعلن عنه بيريتس، زعيم العمل ضمن برنامجه السياسي، حتى لا يشك البعض في أنه سيتنازل عن ثوابت الدولة العبرية. لن يحدث ذلك سريعاً بالطبع، وإذا كانت مفاوضات تشغيل معبر رفح قد استمرت ثلاثة شهور، ولم تتحرك إلا بتدخل مباشر من وزيرة الخارجية الأمريكية، فلنا أن نتخيل كم من الوقت سيمضي قبل أن يصل الفلسطينيون إلى المرحلة الثانية من خريطة الطريق، أي الدولة المؤقتة، وهي مرحلة لا بد أن يسبقها التأكد من مكافحة الإرهاب ووقف ما يُعرف بالتحريض بكل أشكاله. فلسطينياً يبدو أن السلطة لن ترفض التعاطي مع خطة شارون المشار إليها، ليس بسبب العجز عن المضي في مسار آخر تبعاً لحالة العجز الداخلي والتراجع العربي، وإنما لأن البعض يبدو مقتنعاً بالإنجازات التي يمكن أن تتحقق، وقد رأينا كيف كان الاحتفال بافتتاح معبر رفح على الرغم من استمرار الرقابة الإٍسرائيلية عليه. أما قوى المقاومة فتبدو في حالة صعبة بسبب التراجع العربي والضغوط على سوريا، والأهم بسب ميل فتح نحو المراهنة على المسار السياسي أو التفاوضي، بل إنها تبدو عاجزة عن الرد على استهداف رجالها الذين تتابع اصطيادهم من قبل الإسرائيليين قتلاً واعتقالاً على نحو يومي. وفي العموم فإن السلطة أو فتح وحماس منشغلتان بالانتخابات؛ الأولى كي تؤكد سيطرتها على الوضع الداخلي، والثانية كي تحصل على قوة تحول بينها وبين دفع استحقاقات كبيرة للمرحلة العبثية الجديدة كما دفعت من قبل خلال مرحلة صعود أوسلو في النصف الثاني من التسعينيات. هكذا يتأكد من جديد أننا إزاء ذات البرنامج الذي خرج به شارون منذ كان في المعارضة قبل انتفاضة الأقصى، ثم عاد وأكده بعد ذلك عندما جاء إلى السلطة، إلى أن أعلن رسمياً وعلى نحو أكثر وضوحاً مع قرار الانسحاب من قطاع غزة. وما من شك أن السؤال الذي يطرح نفسه هو ذلك المتعلق برد فعل السلطة على ذلك البرنامج، وما إذا كانت ستواصل التعاطي معه بصرف النظر عن الممارسات والمخرجات، أم أنها ستنتفض-أقله سلمياً- في مواجهته، فيما يبدو أن الموقف برمته سيعتمد على تطورات المشروع الأمريكي في العراق، وهو ذاته الذي يراهن عليه شارون كعنصر أساس من عناصر توفير النجاح لبرنامجه، الأمر الذي تقول المؤشرات المتوفرة: إنه لن يحدث، مما يعني أن الانتفاضة الفلسطينية التالية هي مسألة وقت ليس إلا، بصرف النظر عما إذا كان سيطول أم لا. المصدر : الاسلام اليوم