عقد الرئيس السيسي، وملك الأردن عبدالله الثاني، قمة ثنائية في القاهرة، الثلاثاء 21 فبراير 2017. القمة كانت علنية، لكنها مفاجأة، فلم يسبق الإعلان عنها. وقد سبقها بيومين، الأحد 19 فبراير 201، تفجير مفاجأة كبيرة، بالكشف الذي نشرته صحيفة إسرائيلية "هآرتس" عن عقد قمة سرية منذ عام في مدينة العقبة الأردنية، شارك فيها السيسي، وملك الأردن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بحضور جون كيري وزير الخارجية الأمريكي السابق، وهو راعي ومهندس هذه القمة. عام كامل والتعتيم كامل على تلك القمة وما جرى فيها حتى أزاح السرية عنها مسؤول أمريكي في إدارة أوباما، وكذلك مسؤول إسرائيلي كان قريبا منها. كتبت عن تلك القمة، وأكثر من تضرروا منها بعد نزع غطاء السرية عنها هو السيسي، لأن رئيس مصر- أيا كان اسمه، أو شخصه - الدولة الكبرى ذات التاريخ العميق، ميزان المنطقة، ليس ملائما أن يشارك في قمة سرية، خصوصا إذا كانت إسرائيل طرفا فيها. تم نصب حفلات هجوم لمرسي على عبارة بروتوكولية في خطاب دبلوماسي يبدأ ب "عزيزي بريز"، فلا وجاهة اليوم في استدعاء تلك العبارة، لأن ما يجري بعده تجاه إسرائيل يتجاوز كلمة في خطاب. لو كانت تلك القمة علنية في وقتها، وكانت حصلت انتقادات لكون السيسي يلتقي نتنياهو لكان أفضل من أن تكون سرية ثم تنكشف بهذه الطريقة، والتبرير لعلنية اللقاء آنذاك سيكون متوفرا، وهو وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، وأنه كان عاجلا أو آجلا سيلتقي الرئيس المصري برئيس حكومة إسرائيل، سواء كان نتنياهو أو غيره، وأن القمة عقدت في الأردن، وليست في إسرائيل، وأن هدفها البحث في حلول السلام، واستئناف المفاوضات، وكسر الجمود فيها، وأن هذا دور مصري أساسي مارسته، وستظل تمارسه، بطلب فلسطيني، وتفويض عربي. ولو كانت تلك القمة حققت اختراقا إيجابيا في الموقف الإسرائيلي المتعنت لكان ذلك خفف من وطأة السرية، لكنها فشلت، ومن أفشلها هو نتنياهو الذي لم يخرج منها بالثمرة التي أرادها، فقد طرح كيري خطة حل لا تختلف كثيرا عن مبادئ الحل المتفق عليه عربيا، وكانت تتضمن أنه بعد دفع المفاوضات بين الطرفين والتوصل إلى سلام، يكون هناك سلام إقليمي عربي إسرائيلي، لكن نتنياهو أراد العكس، أن يرمي بعض الفتات للفلسطينيين مثل تجميد الاستيطان الهامشي، وتخفيف بعض الإجراءات الداخلية القاسية ضد الفلسطينيين، وأن يبدأ بقمة عربية إسرائيلية واعتراف جماعي بكيانه وعلاقات سلام وتطبيع، ثم يكون الحل مع الفلسطينيين، وهو يبتعد عن حل الدولتين، ولا يقيم دولة فلسطينية حقيقية ذات سيادة، ولا علاقة لها بالقدسالمحتلة التي يعتبرها نتنياهو عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل كدولة يهودية. ونتنياهو الانتهازي هو من استفاد بعد رفع الغطاء عن القمة السرية حيث ظهر أن السيسي التقى به، وجلس معه وجها لوجه، مما يعمق الرسالة بأن العلاقات الثنائية بينهما تتطور وتتعزز. تداركت القاهرة الموقف وخففت قليلا من حدة الصدمة ببيانها الذي أقرت فيه بشكل غير مباشر بالقمة، وواضح أنها انزعجت من الكشف عنها، لكن الأردن لم يعلق، وكأن الأمر لا يعنيه، وعموما العلاقات الأردنية الإسرائيلية قديمة ومتواصلة سرا وعلنا. نعود إلى قمة الثلاثاء في القاهرة بين السيسي وعبدالله الثاني، وتقديري أنه كان لها ثلاثة أهداف هى: الأول: محاولة طي صفحة القمة السرية، وتجاوزها سريعا، بحدث جديد مرتبط بموضوع القمة نفسه، وهو القضية الفلسطينية ومفاوضات السلام. ثانيا: تجديد الموقف المصري الأردني من قضايا الحل النهائي لإزالة أي تشويش عليه بعد ما نشرته "هآرتس" والذي كان يُفهم منه أن البلدين قد يتجاوبان مع خطة حل لا تلتزم تماما بخطة حل الدولتين المتفق عليها عربيا، وربما لهذا كان بيان المتحدث الرئاسي المصري بشأن القمة السرية يشير إلى أن تقرير الصحيفة الإسرائيلية تضمن معلومات مغلوطة. ثالثا: الرد على الرئيس الأمريكي ترامب الذي قال الأربعاء 15 فبراير 2017 مع نتنياهو في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض إن حل الدولتين، ليس السبيل الوحيد لإنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وفي ذلك الكلام إحراج لمصر أولا، ثم الأردن، لأن هناك علاقات جيدة بين السيسي وإدارة ترامب، والانحياز المطلق من ترامب لجانب إسرائيل على حساب الفلسطينيين سيضر بالقاهرة وصورتها وعلاقتها بالقضية الفلسطينية ويجعل عليها من الصعب التماهي مع إدارة ترامب بهذا الشكل، كما يتعرض الأردن للحرج لعلاقته بالفلسطينيين، ودوره في حماية القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، ولذلك سعى الملك عبدالله مبكرا للقاء ترامب ولو بشكل سريع للتحذير من نقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، ومن مخاطر دعم الاستيطان، والعصف بحل الدولتين. الكشف عن القمة السرية ظهرت له فائدة مهمة وهى المسارعة بعقد القمة الثنائية المصرية الأردنية، واتخاذ موقف مهم من البلدين في تلك المرحلة التي يسودها استهتار أمريكي بالحقوق الفلسطينية وبثوابت الحل النهائي بجانب التوحش الذي تمارسه أشد الحكومات تطرفا في تاريخ إسرائيل، وليكون هذا الموقف دافعا في القمة العربية بالأردن في مارس المقبل لإعادة التشديد عليه عربيا حتى لا يضيع ما تبقى من الحقوق الفلسطينية بين التطرف الأمريكي والإسرائيلي. لقاء السيسي وعبدالله الثاني كان عنوانه الرئيسي أن حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدسالشرقية من الثوابت القومية التي لا يجوز التنازل عنها، ومن الجيد إعادة استخدام مصطلحات قديمة كانت اختفت من البيانات الرسمية العربية مثل "الثوابت القومية". القمة العربية المقبلة في الأردن خلال شهر مارس يجب أن تختلف عن سابقاتها، فالخطر عظيم، خطر التطرف في واشنطن وتل أبيب، وهذا الخطر يزحف ليقضي على القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية، ولهذا من الضروري أن يكون هناك موقف عربي موحد وقوي، فالخطب جلل. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.