هل كان منصور حسن محقًا عندما فضل الانسحاب مبكرًا من سباق انتخابات الرئاسة؟ نعم.. وخصوصًا عندما كشف أنه لا يريد أن يكون "طرطورًا" بوظيفة رئيس جمهورية. هذه الكلمات تكفى لتأكيد أن قراره كان صائبًا، فلا يليق به، ولا بغيره ممن يريد أن يحترم اسمه وتاريخه أن يكون "طرطورا" عند أحد، فإما رئيسًا صاحب قرار، وإرادة، واستقلالية، ورأس مرفوع أمام جميع القوى السياسية، والمجلس العسكري، وإما لا. وسواء كان الإخوان تلاعبوا به بعد أن وعدوه بدعمه - كما قال - أم لا، فإنه بالانسحاب أخرج نفسه من ورطة أن يكون "طرطورًا" لهم، أو لغيرهم ممن كانوا سيدعمونه، كما أنه قرأ المشهد السياسى والشعبى جيدا، واكتشف أنه لا يليق به لو ترشح مستقلا أن يكون مجرد رقم بين مرشحين كثيرين يتسول توكيلات الجمهور، أو تأييد النواب، ليحق له الترشح أولا، ثم بعد ذلك يبدأ رحلة مرهقة من البحث عن أصوات الناخبين. مالم يكن المرشح الرئاسى منتميًا إلى حزب قوى له وجود جماهيرى مؤثر، أو مستندا على اسم كبير وتاريخ سياسى معتبر وشعبية واضحة وحضور لم ينقطع فى الساحة والنضال السياسى فالأفضل له ألا يدخل تلك المحرقة، وأظن أن البرادعى كان من الذكاء أن ينسحب مبكرًا لأنه لا ينتمى لحزب قوى ولا يستند لشعبية جارفة رغم اسمه الكبير عالميا، لكن من الإنصاف القول إن الرجل تعرض لحملات تشويه خلال النظام السابق وبعد الثورة نالت منه، وما فعله منصور حسن، وبالتزامن معه محمود شريف وقبلهما الفريق مجدى حتاتة قراءة عاقلة منهم للخريطة وللمزاج الشعبى العام. ومنذ بدأ اسم منصور حسن يتردد على الساحة، وأنا بداخلى لم أكن متحمسًا له كرئيس، وعندما قيل أنه سيكون مدعومًا من الوفد والإخوان والعسكرى كمرشح توافقى تمنيت ألا يوافق لأنه سيكون دمية أو "طرطورًا" فى أيديهم، وكما استخدم بنفسه هذا الوصف المعبر. كانت فكرتى الدائمة ألا يكون هناك ما يسمى الرئيس التوافقى لأنه سيفرض على الشعب بالتصويت الآلى المنظم والكثيف للقوى المتوافقة عليه وبالإمكانيات الهائلة للمجلس العسكرى، ليكون الأمر أقرب إلى التعيين منه إلى الانتخاب الحر النزيه.. وبطبيعة الحال فإنه من الأفضل أن يترك المرشحون المستقلون يخاطبون الشعب مباشرة لعل واحدًا منهم ينجح فى إقناع أغلبية المصريين باختياره، كما يترك المرشحون الحزبيون لأحزابهم لتدعو لهم بطريقتها ودون أن يتدخل العسكرى فى اللعبة، وإذا كان الإخوان - قبل الدفع بالشاطر ومرسى كاحتياطى - سيدعمون مرشحًا غير منتم لحزبهم فهو سيكون "طرطورا" حقيقيًا، وهو ما تنبه له منصور حسن واعترف به لكن بعد أن خلا به الإخوان وليس قبل ذلك، ورغم جدلية خطوة الإخوان بترشيح واحد منهم إلا أن ذلك أفضل لهم حتى عندما يحشدون له الأصوات يكون ذلك طبيعيًا ووجيها وليس أن يقوموا باستئجار مرشح ويتخفون وراءه ليكون الرئيس الطرطور لهم. منصور حسن انقطع عن العمل العام منذ أكثر من 30 عامًا ويصعب عليه أن يعود إلى سدة الحكم فجأة بلياقة وجاهزية لأعباء المنصب الأهم فى مصر، والأعباء ستتضاعف على الرئيس القادم فى ظل الظروف المعقدة والخطيرة التى تمر بها البلاد، وهذا يتطلب رئيسًا لائقًا صحيًا ومقاتلا وصلبا.. والمناصب فى مصر الثورة يجب ألا تكون تكريمية لمن تتضرروا من النظام السابق مثل الجنزورى، الذى تولى رئاسة الحكومة، ومنصور حسن، الذى كان يرغب فى رئاسة الجمهورية. أيضًا كبر سن الرجل ليس فى صالحه، خصوصًا أن أحد الاعتراضات على مبارك كانت بسبب كبر سنه، والملاحظ أن أعمار معظم المرشحين فى الستينيات والسبعينيات وهى ظاهرة غير محمودة لبلد نسبة الشباب فيه كبيرة، وهؤلاء الشباب هم من فجروا الثورة، ووفروا لها الزخم والنجاح، وكان المنطقى أن يكون رئيس مصر القادم من الشباب وليس من العجائز. هل تفتقد مصر مرشحًا شابًا، صاحب حضور طاغ، وثقافة واسعة، وعقلية راجحة، وسياسى بارع، ويمثل نقطة التقاء لكل التيارات والاتجاهات؟، هل تصحرت مصر فلا نجد مثل هذا الرئيس، لنكون أمام مرشحين فى مرحلة الأفول؟