أصبحت حياة أهل قطاع غزة بلا معنى؛ فلا كهرباء ولا ماء ولا وقود ولا غاز يكفي حاجة المواطنين.. انعدام في مقومات الحياة الأساسية، ومعاناة مستمرة ومتفاقمة تزداد يومًا بعد يوم، ولا أحد يحرك ساكنًا، أزمة تولد أزمات وحوادث فريدة خلفتها أزمة انقطاع التيار الكهربائي والوقود، فأكثر من شهر ونيّف ومازال الشعب الفلسطيني في غزة يئنُ من وطأة الحصار. شلل تام أصاب القطاع بسبب توقف محطة توليد الكهرباء عن العمل لنقص الوقود اللازم لتشغيلها، مما سبب خللًا في جميع مناحي الحياة هنا.. وللتعرف على المعاناة التي يعانيها الغزيون في القطاع كان لشبكة الإسلام اليوم التقرير التالي: الكهرباء مأساة من نوع آخر كان لمراسل شبكة الإسلام اليوم جولة في أرجاء قطاع غزة لرصد المعاناة التي يعانيها الفلسطينيون في قطاع غزة، أبو محمد خليل من مدينة غزة قال لنا: "لي اثنان من الأبناء في الجامعة ويدرسان في كلية الهندسة، اقتربت امتحاناتهما وهما في أمسّ الحاجة للكهرباء، لأن دراستهما جُلها يعتمد على استخدام الحاسوب، ولا حاسوب دون كهرباء.. مما انتابني وأبنائي شعور بالقلق على مستقبلهما الدراسي". بنبرات الحزن والألم التي بدت ظاهرة على وجه الأم، باتت ملامح وجهها الحزينة تعبر عن قصة مأساتها من انقطاع التيار الكهربائي. إنها أم عادل علي، امرأة من شمال قطاع غزة حدثتنا قائلة: "يعاني ابني ذو العشرة أعوام من الكلى، وهو بحاجة دائمة لعملية غسيل للكلى"، مضيفةً بنبرات صوتها الحزين : "إذا ما انقطع التيار الكهربائي فإن قلبي يعتصر ألمًا، لحظتها لن أستطيع عمل غسيل كلى لابني، مما يعني أن حياته باتت مهددة بالخطر، وينتابني شعور بالخوف أني سأفقد فلذة كبدي في أي لحظة". أما أم أحمد خالد من جنوب القطاع فمأساتها من نوع آخر، حيث تصف الكارثة التي ألمّت بها جراء انقطاع التيار الكهربائي عن بيتها فتقول: "طفلي ذو الثلاثة أعوام فقدته في لمحة بصر، ولم أتصور أبدًا أن يحدث له ما حدث، حيث كان يعاني من مشكلات في الجهاز التنفسي وقد طُفتُ به مستشفيات قطاع غزة من شماله حتى جنوبه، كي أوفر له جهاز تنفس اصطناعي لأستخدمه في البيت بدلًا من المكوث به في المشفى لفترات طويلة"، متابعةً حديثها بصعوبة ونبرات صوتها الخانقة تعبر عن مدى الفاجعة التي ألمّت بها قائلة : "ذات يوم وضعت لابني جهاز التنفس الاصطناعي وذهبنا للنوم، وما إن استيقظنا من نومنا حتى أدركنا الفاجعة قد حدثت، فقد رحل ابني عن الحياة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي عن الجهاز". حتى المصانع لم تسلم أزمة انقطاع التيار الكهربائي تركت بآثارها على المصانع والمعامل والشركات، فلا عمل لهذه المصانع إلا بالكهرباء، المواطن أيمن شاكر البحيصي من وسط قطاع غزة يملك شركة التحرير للصناعات الخرسانية التي يتم من خلالها تصنيع الباطون، يقول: "لدى شركتي عدد كبير من الماكينات التي تعمل على الكهرباء، وفي ظل أزمة الكهرباء حاولت تشغيل هذه الماكينات بواسطة المولدات الكهربائية حتى لا يتوقف المصنع عن العمل، لكن ذلك أيضًا لم يُجدِ نفعًا فلم تعُد توجد قطرة وقود لعمل هذه المولدات، مما اضطرني لإيقاف مصنعي عن العمل"، ويضيف البحيصي: "حتى عربات النقل التابعة للمصنع توقفت تمامًا هي الأخرى، فالوقود منقطع تمامًا منذ أكثر من شهر". شلل في وسائل النقل لم تشتك غزة من أزمة الكهرباء فحسب، بل امتدت الشكوى أيضًا من انعدام الوقود الذي سبب مشكلة أخرى في مرافق الحياة، فقد طالت المعاناة طلاب المدارس والجامعات، بل الموظفين وكثيرًا من المواطنين. وبدوره يصف لنا الطالب عبده خليل من مدينة غزة المعاناة التي يعانيها يوميًا وهو ذاهب إلى جامعته قائلًا: "في كل يوم صباح أحمل حقيبتي الجامعية متجهًا نحو الجامعة لأتابع دروسي وأحضر المحاضرات، إلا أنني أقف لفترات طويلة على قارعة الطريق، فلا وسائل نقل أو مواصلات يمكن أن أجدها بسهولة، فالسيارات بحاجة لوقود كي تعمل ولكن لا وجود للوقود"، مؤكدًا: "تأخري عن الجامعة أضاع مني كثيرًا من محاضراتي الهامة في ظل قرب موعد الامتحانات". بينما يرى أبو خليل العلي، وهو سائق سيارة أجرة، أن استمرار انقطاع الوقود سيؤدي إلى حدوث شلل تام في حركة السير، مما يترك أثرًا سلبيًا في عجلة الحياة، متابعًا حديثه ونظراته على سيارته التي يقتات منها رزقه ليعيش هو وأبناؤه قائلًا: "سيارتي متوقفة عن العمل منذ قرابة الشهر، ولا أستطيع ملء سيارتي بالوقود، وأنا الآن أحتاج للعمل على السيارة حتى أستطيع أن أطعم أبنائي، ولكني أقف عاجزًا أمام عدم توفر الوقود في غزة"، مضيفًا: "نحن نأمل من إخواننا المصريين الإسراع في إمداد غزة بالوقود حتى لا تتفاقم الأزمات أكثر من ذلك". زيت الطهي بديلًا عن الوقود وما إن تسير في شوارع غزة حتى تشتم رائحة الزيت المستخدم في طهي الطعام، لكنه هذه المرة غير ناتج عن طهي الطعام، بل منبعث من السيارات المارة في الطرقات، فقد عكف سائقو الأجرة في قطاع غزة على استخدام زيت القلي كبديل للوقود المفقود، وللتغلب على أزمة المواصلات الخانقة التي عطلت الحياة. في حين حذرت مصادر صحية من استخدام الزيت في تشغيل السيارات لتسببه في أمراض سرطانية، لكن حال هؤلاء يقول "ما باليد حيلة". يقول أبو تامر سمير: "كثيرًا ما أقف في طابور المحطات للحصول على وقود لسيارتي وما إن يصل دوري حتى يكون الوقود قد فرغ من المحطة"، موضحًا: لا أستطيع أن أوقف سيارتي عن العمل لأكثر من شهر، فعزمت على تشغيلها بأي طريقة فكان الحل في زيت القلي". بينما الاستغراب والدهشة تسيطر على عقل كثيرين من قاطني قطاع غزة، حيث يقول أبو خميس عبد العال: "أيعقل أن يجري لغزة ما يجري ونحن نعيش عصر الثورات والتغيرات التي تحدث في العالم العربي؟؟!!". وفي تعقيبه على الأزمة طالب محمد العبادلة، عضو مجلس إدارة جمعية أصحاب شركات الوقود والبترول بغزة، الجانب المصري بالإسراع في إدخال الوقود بسبب الأزمة الإنسانية التي تتفاقم يومًا بعد يوم. مرضى سيفارقون الحياة د.نبيل البرقوني مدير مستشفى النصر للأطفال في غزة يقول: "يوجد في المستشفى عدد كبير من الأطفال مرضى الجهاز التنفسي، وهم بحاجة إلى تنفس صناعي مستمر، وهذا يعتمد على وجود الكهرباء التي تُشغل هذه الأجهزة"، ويتابع: "بعد أن قُطع التيار الكهربائي عن القطاع وقُطع بعده الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية كبديل، اضطررنا إلى استخدام أجهزة التنفس الصناعي يدويًا بواسطة مضخات يتم الضغط عليها يدويًا وإن لم نفعل ذلك فإنهم سيفارقون الحياة". وبدوره أضاف الدكتور حسن خلف، وكيل وزارة الصحة في الحكومة الفلسطينية: "أن توقف التيار الكهربائي يعني توقف حياة المئات من المرضى داخل المستشفيات، خاصة مرضى الفشل الكلوي الذين هم بحاجة دائمة ومتواصلة لوجود تيار كهربائي يشغل الأجهزة اللازمة لعلاج هؤلاء المرضى كي يتم تنظيم جلسات العلاج لهم". كمية ضئيلة المهندس كنعان عبيد، رئيس سلطة الطاقة في قطاع غزة، وفي تصريح خاص لشبكة الإسلام اليوم قال: "إن قطاع غزة بحاجة إلى 350 ميجاوات من الكهرباء بينما المتوفر حاليا 142 ميجاوات فقط"، متابعًا حديثه: "هذه الكمية الضئيلة لا تغطي احتياجات السكان والمؤسسات والمستشفيات، حيث توزع هذه الكمية على سكان القطاع بمعدل 6 ساعات يوميًا مقابل انقطاع 18 ساعة، مما يعني أننا في أزمة حقيقية، وأننا نأمل من أشقائنا في مصر ضرورة التحرك لحل هذه الأزمة". وأشار عبيد إلى أن محطة توليد الكهرباء بحاجة إلى 500 طن يوميًا من الوقود يفترض تزويدنا بها من الجانب المصري، إلا أن هذا غير متوفر حاليًا، فلا تصل المحطة قطرة واحدة من الوقود منذ الرابع عشر من فبراير الماضي وحتى اللحظة". وأكد عبيد أن الجانب المصري بدأ بتقليص كمية الوقود المدخلة لغزة منذ الخامس والعشرين من شهر ديسمبر الماضي، مما تسبب في معاناة أكثر من مليون ونصف المليون مواطن وأحدث أضرارًا كبيرة في مصالح الكثيرين". المصدر: الإسلام اليوم