رئيس مجمع اللغة العربية وعضو هيئة كبار العلماء ل"المصريون": الأزهر حائط الصد الأول لحماية اللغة الأم من الهجمات الشرسة الأزمة التي تعيشها لغتنا حاليًا في لسان الشباب المعوج مليار ونصف المليار مسلم يعتبرونها لغتهم المقدسة نطالب بقانون لحماية اللغة العربية وتعريب العلوم العلمية الأزهر يسعى لوضع آليات لتبسيط قواعد اللغة وتحسينها معجم صوتي ومرئي للأطفال قريبًا تجديد الخطاب الديني لا يكون في يوم وليلة والأزهر يسابق الزمن اللغة العربية تحظى بمكانة مرموقة بين لغات العالم، باعتبارها اللغة الأم لما يربو على نصف مليار نسمة من العرب، كما أنها اللغة المقدسة لما يربو على مليار ونصف المليار مسلم حول العالم بكونه لغة القرآن الكريم، فهي اللغة الأم لسكان العالم العربي، واللغة الثانية لسكان العالم الإسلامي، وثالث لغات العالم من حيث سعة انتشارها وسعة مناطقها، وإحدى اللغات الست التي تكتب بها وثائق الأممالمتحدة، إنها اللغة التي اختارها الله لينزل بها أفضل كتبه على أفضل رسله. الآونة الأخيرة استشعرت "المصريون" الخطر نحو هذه اللغة، بسبب الهجمات الشرسة التي تواجهها خلال العقود الأخيرة، فكان هذا اللقاء مع الدكتور حسن الشافعي، رئيس مجمع اللغة العربية وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، للحديث عن اللغة الأم والأزمات التي تحيطها والحديث عن تجديد الخطاب الديني وغيرها من القضايا في هذا الحوار. كيف ترى دور الأزهر والمجمع في حماية اللغة العربية؟ في الحقيقة اللغة العربية هي حافظة الثقافة العربية وهي أساس الهوية التي تجمعنا جميعا، أبناء الأمة العربية، بل إن اللغة العربية هي اللسان الذي يربط بين أبناء العالم الإسلامي خارج الدائرة العربية وبين العرب ومن يعرف أحوال العالم الإسلامي خارج العالم العربي مثل ماليزيا أو مالي أو تشاد أو نيجيريا وغيرها من الدول، لا يعرف أنهم يفهمون العربية وكثيرون منهم يتكلمونها، فالعربية شائعة ويتكلم بها نحو نصف مليار من البشر، ولكن المليار ونصف من المسلمين يعتبرونها لغتهم الثقافية والدينية. ولا شك أن الأزهر كان هو الحصن الحصين الذي حفظ اللغة العربية على مدى القرون السابقة منذ العهدين الأيوبي والفاطمي حتى وقتنا الحاضر، لكن عندما تزايدت الهجمات الشرسة على اللغة العربية أنشئ مجمع اللغة العربية على صعيد شعبي في العقد الأول من القرن الماضي، وإن كان المجمع الرسمي من طرف الدولة أنشئ عام 1932، فنحو 83 عامًا يمارس المجمع نشاطه، فاللغة العربية تعيش حالة من التقدم وزيادة في المرونة والجمال والسعة. إذا كان الأمر كذلك.. فما الأزمة إذن؟ الأزمة في الحقيقية هي العربية على لسان الناشئة والشباب الجدد، فهناك الآن لغة الشباب وهي "الفرانكو آراب" وهناك دعوة لاستخدام العامية، وعدنا إلى ما كان يشكو منه الناس في الحرب العالمية الأولى عندما أنشأ حافظ إبراهيم قصيدته المشهورة اللغة العربية تتحدث عن نفسها، واتخذ فاروق شوشة رحمه الله، لبرنامجه لغتنا العربية شعارًا أنا البحر في أحشائه الضر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاته ردًا على الدعوة لاستخدام العامية فالآن هناك أدباء مصريون ينادون باستخدام العامية. كيف نعيد الشباب إلى استخدام اللغة العربية؟ يسعى الأزهر والمجمع في اتجاهات متعددة أولها تبسيط قواعد اللغة وتحسينها، حيث أنشأ في العامين الماضيين لجنة مختصة باللغة العربية في التعليم الجامعي، وهي مختصة بالاشتراك مع خبراء من وزارة التربية والتعليم بدراسة المناهج ومحاولة تبسيط القواعد والربط بين تدريس القواعد والأدب، بحيث يكون كتاب القواعد جذابا، ويمكن للشباب أن يستوعبوه، لأن الكتب كانت تؤلف بطريقة تبغض الشباب في اللغة، وتعاني اللغة على ألسنة الأطفال والناشئة، بسبب الأم التي إما أن تكون جاهلة أو مربية أجنبية في بعض الدول، وهذا خطر على أطفال العرب. هل هناك خطوات فعلية من الأزهر والمجمع لعلاج هذه الأزمة؟ نحن الآن في طور صنع معجم للأطفال صوتي ومرئي، بحيث يسمع الكلمة ويرى صورتها ويعرف معناها بدون معلم، ثم بعد ذلك يأتي دور الكتب المقررة والدراسية، ويعاني الشباب من تعلم اللغات الأجنبية قبل معرفته باللغة القومية، وهي اللغة الأم، فالعربية ليست لغة أمًا الآن لمصر، لكنها اللغة الأم للعرب جميعا، فالبلاد الأخرى التي هي أوثق منا صلة بالبلاد الخارجية لا تسمح لأطفالها قبل سن التاسعة أن يتعلموا إلا لغة بلادهم، ثم يتعلموا اللغات الأخرى، وعادة اللغة العربية لا تحارب تعلم اللغات الأخرى، فلا بد من تعلمها ولكن ليس بمزاحمة العربية في السنين الأولى، وليست أداة للتعليم لا في المراحل الأولى ولا في المرحلة الجامعية، وهناك في دراسة الهندسة والطب الحرص على تعليم هذه المواد باللغات الأجنبية، وهذا غير موجود في بلاد العالم، فهي تدرس باللغة القومية، وفي سوريا منذ 40 عامًا يدرس الطب باللغة العربية ولا يقل الطبيب المصري عن زميله السوري. ما الذي يمكن أن تنادي به من أجل حماية هويتنا العربية؟ ننادي بضرورة إصدار قانون حماية اللغة العربية، كما حدث في الأردن، والذي يشترط بعدم التعيين في إدارة الدولة، إلا بعد اجتياز امتحان الكفاءة في اللغة العربية، والبعض للأسف يسميه "تويفل العرب"، وأقترح أن يتضمن القانون المصري معاقبة كل من يكتب لافتات الشركات والمصانع والمحلات والميدان باللغة الأجنبية أو العامية، كما يجب أن تترجم الأدوية ومواصفاتها باللغة العربية بدلاً من الأجنبية، وفي عهد عبد الناصر أصدر قرارًا بوجوب التزام العربية في المراسلات والمكاتبات وتوصيف البضائع وغيرها فإن هذا لم ينفذ حتى الآن، ولذلك نحتاج أن يطالب الأزهر والمجتمع المدني والرسمي والمجامع اللغوية بالالتزام باللغة العربية في جميع مؤسسات الدولة، لأن مثل هذه القوانين تعمل على حماية لغة القرآن. هناك دعوات تطالب بتعريب علوم الطب والهندسة.. هل نحتاج إلى سن قانون لتطبيق ذلك؟ هذه الدعوات مهمة المجمع وموضع اتفاق، ولكن المسألة تحتاج إلى وعي مجتمعي، كما أنه يحتاج إلى إرادة سياسية قوية من قبل المسئولين، وهذا الوضع لا يوجد في بلاد العالم أن دولة تعلم بعض المواد بغير لغتها القومية، فالتعليم داخل الوطن باللغات غير العربية إحدى المشكلات التي تواجهنا، فنحاول إقناع الوسط الجامعي باستخدام العربية، لأن بعض الأساتذة في الطب والهندسة يظنون أن التعريب سيتراجع بالمستوى التعليمي، والواقع العكس فالثابت علميًا أن الإنسان لا يبدع إلا في لغته. شيخ الأزهر أصدر قرارًا بإلزام أعضاء هيئة التدريس في الجامعة بالشرح بالعربية الفصحى داخل المحاضرات ما تعليقكم؟ قرار صائب من شيخ الأزهر، لأن الجامعة يجب أن تكون نبراسًا في الالتزام باللغة العربية داخل المحاضرات وقاعات الدرس للمصريين والوافدين، وعدم التزام الأساتذة بهذا يرجع إلى مشكلة في الأساتذة أنفسهم، وعليهم بذل مزيد من الالتزام بالعربية على الأقل أمام الوافدين الذين لا يفهمون العامية. وأنتم أحد كبار العلماء والمفكرين والشاهدين على عدد من الحقب الزمنية المختلفة.. كيف تخرج الأمة من أزمتها المعاصرة؟ المرحلة الحالية التي تمر بها الأمة استثنائية، نعم هناك شتات بالفعل ومناهج وخطط أعدت خارج العالم العربي وتطبق في داخله وخطر علي الوجود الوطني لبعض الأقطار العربية، وأظن أنها مرحلة عابرة ونشعر أن هناك إحساسًا من جانب العرب في لغتهم وهذه دعوة لإنصاف العربية في عقر دارها، وهناك 12 مجمعًا في اتحاد المجامع العربية الذي يضم كل المجامع في الأمة، وكذلك العالم الإسلامي خارج الدار العربية، فهناك وعي جديد وإحساس بالتدهور والضياع الذي حدث خلال الفترة الأخيرة، ولا أظن أنه سيمضي جيل على الأكثر إلا وتتغير هذه الأحوال في الربيع العربي وأفغانستان وباكستان، فهذه بلاد مهددة أيضا وتعاني من بعض مظاهر التخلف والضعف، ولكنها فترة عابرة وسوف تعقبها النهضة والوعي الجديد الذي سيعود في المنطقة، والمسلمون يمثلون قرابة الثلث من البشر، فلا يعقل أن هذا الجزء ينقطع عن تيار الحضارة العالمية وسوف تعود الحضارة الإسلامية من جديد وسوف تتحد الأمة من جديد، وليس بالضروري بنفس الصورة التي يظنها البعض بالخلافة الموحدة، وربما يكون غير مناسب للتنظيمات والأوضاع الحالية، ولكن على نحو ما كما تخيل بعض الأساتذة أن الجامعة العربية وعلى نمطها جامعة إسلامية أو منظمة للتضامن الإسلامي تجمع أطراف الأمة وحين اعتدى على المسجد الأقصى بحرق المنبر في القرن الماضي تداعت الأمة الإسلامية بقيادة الملك فصيل وأنشأت ما يسمى بمنظمة التضامن الإسلامي، فهناك وعي جديد ودور جديد للأمة الإسلامية ولا ينبغي أن نستسلم للضعف والجهل. - كثر الحديث عن تجديد الخطاب الديني وحتى الآن لم يشعر المجتمع بالتجديد.. لماذا؟ تجديد الفكر لا يتم بين يوم وليلة، ولعل فى هذا إشارة إلى ما ورد فى حديث النبى، فالمسألة كل قرن وليس بين يوم وليلة، إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها أمر دينها، وهناك اتفاق بين العلماء أن التجديد الديني على الأقل على رأس كل مائة عام، وليس هذا تحديدًا دقيقًا من الناحية الزمنية، إنما هو إشارة إلى أن اختمار الفكر وظهور ألوان جديدة من الحضارة، والتجديد يرجع إلى تجديد الفكر والعمل على مواجهة مشكلة الوقت الراهن بحلول جديدة مستقاة من الشريعة، لكنها تتعامل مع الواقع والأزمات والأوضاع الجديدة أكثر من الماضي، ثم يصل ذلك في خطاب مسموع أو مقروء أو منظور في وسائل الإعلام. ومسألة التجديد لها جانبان، جانب يتعلق بالدعوة، والصوت الديني فى مشكلات المجتمع الراهنة، والجانب الآخر يتعلق بالفكر الدينى، وتناول هذه المشكلات بما يقدم لها الحلول والظروف المتجددة، وكلاهما مرتبط بالآخر، فلا يمكن تجديد الفكر الدينى بمعنى الخطاب الدينى الدعوى إلا بتجديد الفكر الدينى بمعنى بالدعوة إلا بتجديد التأويل والبحث العلمى، وربما يضاف إليهما أمر ثالث وهو إعداد المشتغلين بالفكر الدينى أى المناهج والوسائل التربوية للعاملين فى هذا الحقل، والتغيير يأتى بإحساس ينبثق من داخل المشتغلين والمسئولين عن هذا الفكر، ولا يأتى التغيير بتوجيهات من أحد لا علاقة له بغير المتخصصين.