لأن المسيحية الصهيونية التى جعلت إقامة إسرائيل عقيدة دينية مسيحية، قد بدأت فى المسيحية الغربية على يد "مارتن لوثر" (1483-1546م) – فى القرن السادس عشر – فإن السعى لإقامة الكيان الصهيونى على أرض فلسطين قد بدأ مسيحيًا غربيًا، قبل أن يتبناه اليهود، وقبل نشأة الحركة الصهيونية الحديثة على يد "هيرنزل" (1860-1904م) وقبل تحالف الصهيونية اليهودية مع الصهيونية المسيحية الإمبريالية الغربية بنحو أربعة قرون!! والذين يتتبعون الفكر والنشاط فى إطار المسيحية الصهيونية الغربية يلمسون وقائع هذه الحقيقة-: التى يغفل عنها الكثيرون-.. ففى 1649م أصدر اللاهوتيان الأنجليكانيان الإنجليزيان – "جوانا" و"ألبز ركارثرايت" نداء إلى الحكومة الإنجليزية لإقامة شراكة مع اليهود فى الاستيلاء على القدسوفلسطين، وذلك لكى يكون للبروتستانت شرف نقل اليهود إلى الأرض التى وعد الله بها أجدادهم إبراهيم وإسحق ويعقوب ومنحهم إياها إرثا أبديا"!.. كما نشر اللورد الإنجليزى "آشلى كوبر" (1801-1885م) دراسة جاء فيها: "إن اليهود هم الأمل فى تجدد المسيحية، وعودة المسيح ثانية ليحكم العالم ألف سنة سعيدة! وفى 1839م أرسل سكرتير البحرية الإنجليزية إلى وزير خارجيته "بالمرستون" (1784-1895م) رسالة يقترح فيها: "دعوة أوروبا للاقتداء بالملك الفارسى "قورسن" (557-528ق.م) وإعادة اليهود إلى فلسطين، كما سبق وأعادهم "قورسن" من سبى القديم!.. ولقد سعى "بالمرستون" لتحقيق ذلك، فطلب من سفيره لدى الأستانة أن يقنع السلطان العثمانى بفتح أبواب فلسطين أمام الجهات اليهودية. وفى 1844م ألف البرلمان الإنجليزى لجنة "إعادة اليهود إلى فلسطين"!.. وفى 1882م ذهب القس الإنجليزى "وليم هتلر" (1845-1931م) إلى السلطان العثمانى عبد الحميد الثانى (1228-1336ه 1842-1918م) لإقناعه بتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين.. وفى نفس العام عقد بإنجلترا المؤتمر الأول لرجال الدين المسيحيين من أجل "إيجاد حل للمسألة اليهودية".. وفى سنة 1894م صدر كتاب الدبلوماسى الإنجليزى القس "وليم هتلر" (إعادة اليهود إلى فلسطين)! فلما تأسست الحركة الصهيونية الحديثة، وعقدت مؤتمرها الأول فى "بال" بسويسرا سنة 1898م.. وقام التحالف بين هذه الصهيونية اليهودية والإمبريالية الغربية والمسيحية الصهيونية، صدر وعد بلفور سنة 1917م إلى المليونير الصهيونى "لورد روتشيلد" (1845-1934م) بتحقيق هذا الحلم البروتستانتى – الصهيونى على أرض فلسطين.. وتولت الإمبريالية الإنجليزية – بالانتداب – تجسيد هذا الحلم الأسطورى على أرض فلسطين.. هكذا – ومن خلال هذه الإشارات – كان العمق التاريخى واللاهوتى للمشروع الصهيوني، فى ظل المسيحية الصهيونية الإنجليزية، التى تلقفت الإمبريالية الإنجليزية أيديولوجيتها لتغلف بها الطمع الإمبريالى فى استعمار الشرق، وتقسيم وحدة أرضه، ونهب ثرواته وخيراته، وإلحاقه بالمركزية الغربية، وذلك حتى تقطع الطريق على النهوض والتقدم والوحدة لأمة الإسلام!