بلادنا تحتاج إلى الوفاق حتى تجتاز هذه المرحلة الحساسة، وبالتالى فلا حاجة لإضافة بند خاص فى الدستور، لينص على أن الإسلام هو مصدر التشريع، حتى لا ننشر الفرقة فى صفوف شعبنا. ما رأيك فى العبارة السابقة؟ وكيف تنظر إلى قائلها؟ المفاجأة.. أن هذا الكلام صدر عن الشيخ "راشد الغنوشى"، زعيم حركة الإخوان المسلمين فى تونس (حزب النهضة)، والذى جاء بعد احتدام الجدل فى المجتمع التونسى حول كتابة الدستور الجديد، ومدى أهمية النص صراحة على مرجعية الإسلام كمصدر للتشريع، حيث قرر النهضة أن يكتفى بما هو موجود فى الفصل الأول من الدستور الحالى: (تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها)، القرار الذى جاء بموافقة 53 عضوًا فى الهيئة التأسيسية لحركة النهضة، واعتراض 13 عضوًا، كان الهدف منه إحداث أكبر حالة من التوافق بين أطياف المجتمع التونسى، حيث رد الحزب على المعارضين بأنه ليس من الحكمة تقسيم الشعب بين مناصر للشريعة ومعارض لها، ولكن الأفضل هو التروى، وأخذ الوقت الكافى فى نشر الفهم الصحيح للدين، كما رأى الحزب أن الشعب التونسى هو الضامن الحقيقى لتطبيق الإسلام، فالدساتير العربية التى ضمت أبوابًا عن التشريع الإسلامى، لم تستطع حقًا تطبيقه، وظل الأمر حيز القول دون الفعل. بالطبع لم يكن مثل هذه القرار لينال رضا الجميع، فقد خرج الآلاف من التونسيين فى مظاهرات تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية فى الدستور الجديد، وصعد بعضهم أعلى الجمعية الوطنية التأسيسية، وعلقوا لافتات كتب عليها (الشعب يريد تطبيق الشريعة)، صحيح أن القرار قد أثار ارتياحًا فى أوساط الأحزاب الأخرى، وخصوصًا حزبى (التكتل) و(المؤتمر)، وهم شركاء حزب النهضة فى الحكومة، إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور العديد من الأصوات فى الإعلام، التى اعتبرت أن الهدف من هذه الخطوة تكتيكى فقط، بهدف خلط أوراق المعارضة، وتجريدها من ورقة كان لها الأثر الكبير فى توحيد مواقفها، بل اعتبر آخرون أن هذا القرار يهدف إلى كسب الوقت ليس أكثر، على اعتبار أن النهضة -شأنها شأن الحركات الإسلامية- تعمل من أجل تطبيق الشريعة وبناء دولة الخلافة. هذه الخطوة من النهضة كانت مهمة لإعادة اللحمة مرة أخرى، وتوحيد القوى التونسية المختلفة، وخصوصًا بعد تشكيل عدد من الأحزاب المعارضة لمجلس تأسيسى موازٍ، والبدء فى تقديم مشروع دستور جديد، وأيضًا مع إعلان خمسة أحزاب قومية ويسارية عن تأسيس ائتلاف تحت اسم (الجبهة الشعبية 14 يناير) لمواصلة النضال الثورى، واتهامهم للحكومة ب"الالتفاف" على المسار الثورى للشعب التونسى، أضف إلى ذلك الاجتماع الحاشد الذى قاده رئيس الوزراء السابق (الباجى السبسى) وحضره أكثر من 50 حزبًا سياسيًا و 525 جمعية، صحيح أنه كان يمكن تجاهل كل ذلك، على اعتبار أن حزب النهضة صاحب الأكثرية، ولكنه تبنى وجهة النظر الأخرى، التى تقول بأن الدساتير تبنى على الإجماع والوفاق، وليس على مبدأ الأغلبية، وذلك حتى يقبل عموم الناس بالقوانين المنبثقة عن الدستور، وبالتالى فقد كانت الأولوية هى إيجاد أرضية مشتركة مع الشعب، والعمل على إشاعة الفهم الصحيح للشريعة. وتبقى الحقيقة الأكيدة.. إذا كان لكل بلد خصوصيته التى اكتسبها عبر تاريخه، وثقافة مجتمعه، إلا أن استخلاص الدروس المستفادة، والقياس على الحالات المتشابهة، يحمل الكثير من الأهمية، وخصوصًا فى دولة مثل تونس سبقتنا بالثورة، وتعيش أوضاعًا أقرب ما تكون للحالة المصرية، دعونا نقرأ ما بين السطور، ونقدم للوطن أفضل ما يحتاجه فى هذه اللحظات الحرجة. [email protected]