جماعة "أنصار السنة المحمدية" ليست وليدة الساعة، بل هى ضاربة بجذورها فى أعماق الدعوة والعمل الخيرى من سنة 1926، وشرفتُ - قبل أن يشغلنى السفر ولقمة العيش- بالخطابة فى مساجدها، والكتابة فى مجلة "التوحيد" لسان حالها، ومن أحسن ما تعلمته من مشايخها ضرورة مراجعة النفس ومحاسبتها بين الحين والآخر عملاً بقول الحق، سبحانه وتعالى: "ولتنظرْ نفسٌ ما قدمتْ لغدٍ". وفى ظل ما نشهده من تغيُّرات أرى أن الجماعة أحوج الناس لذلك، فالبوْن شاسع بين أهدافها وواقعها، ويسهل الوقوف على ذلك عند مطالعة آخر عدد نُشر على موقع المجلة حتى كتابة هذه السطور، وهو العدد رقم 114، وقد وقفتُ فيه على عدة أمور تلفت الانتباه، ألخصها فى النقاط الآتية: أولاً: من أهداف الجماعة: "أن تكون رسائل جماعة أنصار السنة دُولَة بين الناس، فيقرؤها المسلم ويعطيها أخاه لينتفع بها..."، ولا أدرى كيف ينتفع الجمهور العريض من الناس بمجلة احتوت على موضوعات لا تهم إلا خاصة الخاصة، ومكانها الطبيعى قاعات المدارَسة والمجلات البحثية المتخصصة، فماذا يفعل المسلم العادى بالشرح الأصولى المستفيض لقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات"، أم ماذا يفعل بالدراسة الحديثية لمرويات وأسانيد قصة بناء الكعبة قبل خلق آدم؟! ثانيًا: من أهداف الجماعة "السعى نحو استئناف حياة إسلامية راشدة على منهج النبوة، وإنشاء مجتمع ربانى، وتطبيق حكم الله فى الأرض"، وقد وقفتُ أمام هذا الهدف متعجّبًا: أيمكن أن يُتصوَّر ذلك دون مشاركة فاعلة من الشباب والشابات والنساء؛ إذ ليس فى المجلة من الغلاف إلى الغلاف اسم أنثى ولو حتى فى فريق الصف والإعداد، وكان من نتيجة ذلك أننا خسرنا المرأة وكسبتها الأسواق، فكأن المرأة لم تكن فى عهود إقبال الإسلام محدّثة وفقيهة وعالِمة وطبيبة وشاعرة ومجاهدة ومربية ناجحة ورائدة فى العمل الاجتماعى! ثالثًا: من أهداف الجماعة "إحياء المنهج العلمى الإسلامى الصحيح..."، وفى العدد المشار إليه موضوع بعنوان: "أثر السياق فى فَهم النص"، ناقش الكاتب تحته المصلحة المرسلة. ولم يتبين لى حتى اللحظة - وأنا باحث فى أصول الفقه ومقاصد الشريعة- ما هى العلاقة المباشرة بين السياق والمصلحة المرسلة، فهل الموضوع مقتطَع من كتاب أو رسالة علمية استطرد صاحبها ولم تُشر المجلة إلى ذلك ؟، لا أدرى ، ويا تُرى كم عدد الذين استفادوا من المقال ؟! رابعًا :من الأبواب الثابتة فى المجلة مشروع "حفظ السنة"، والكاتب له مقال موسع فى نفس العدد، وكأن أرحام المسلمات عقمت أن تلد كاتبًا آخر, كما أننا بحاجة شديدة إلى فهم السنة أكثر من حفظها، فجوهر أزمتنا هو الفهم، وما أُوتيت الأمة فى القديم والحديث بمثل ما أوتيت من سوء الفهم والتأويل المذموم، وقد افتتح مشروعه بحديث افتراق الأمة إلى أكثر من سبعين فِرقة، ولم يُشر - ولو بكلمات قليلة - إلى ما يدفع سوء الفهم، فالحديث معارَض بعشرات الآيات والأحاديث التى تؤصّل لمقصد الاجتماع والائتلاف ونبذ التفرق والاختلاف، وقديمًا قالوا : الحديث مضلة إلا للفقهاء. رابعًا: لم تنسَ المجلة باب الردود، فأتحفتنا بمقالة عنوانها "الرد على الذين أباحوا فوائد البنوك" للشيخ السالوس- حفظه الله- والموضوع قديم جدًا نُوقش مرارًا ، كما أن التأكيد وكثرة الاستدلال على الأمر المستقر يثير حوله التساؤلات، أَمَا كان من الأَوْلَى أن تذكّرنا بالطرق المفتوحة والخيارات المتاحة لحل الأزمات والمشكلات وتحقيق الذات أو تناقش مشروعًا عمليًّا يدعو المسلمين إلى القرض الحسن، أو تلفت أنظارهم إلى النصوص التى تحرك الاقتصاد وتحسّن الأوضاع؟! [email protected]