يبدو أن السياسات الطائفية لرئيس الحكومة العراقية نوري المالكي ألقت بظلالها مبكرا على القمة العربية في بغداد، بل وكانت على الأرجح السبب الرئيسي في تراجع التمثيل الخليجي بها إلى أدنى مستوياته. ففي 26 و 27 مارس ، خرجت مظاهرات غاضبة في محافظة الأنبار العراقية، احتجاجا على غياب وتغييب القيادات السنية عن كواليس وطاولة وجدول أعمال القمة العربية. كما احتج أهالي الأنبار على الاعتقالات التي طالت آلاف النشطاء السنة بذريعة تأمين القمة، مؤكدين أن حملة الاعتقالات الواسعة خلقت مبكرا الانطباع بأن المالكي يسعى لاستغلال تلك القمة لتكريس سيطرة الأجندة الشيعية الكردية على العراق وتهميش الطائفة السنية أكثر وأكثر. ونقلت صحيفة "القدس العربي" اللندنية عن مصادر من الطائفة السنية القول:" الرئيس جلال الطالباني الذي سيرأس القمة (كردي)، ورئيس اجتماعات وزراء الخارجية العرب هوشيار زيباري (كردي)، فيما يقود المالكي باسم المعادلة الشيعية كل التفاصيل المتعلقة بجدول أعمال القمة وحتى صياغات بياناتها الختامية". وتابعت المصادر ذاتها" التحالف الشيعي الكردي سيقود القمة أمام الإعلام وخلف الكواليس، فيما لا يحضر سنة العراق في أي من المستويات الرفيعة لا في التفاصيل ولا في الهوامش، فنائب رئيس الجمهورية السني طارق الهاشمي مطارد من قبل حكومة المالكي، ونائب رئيس الوزراء السني صالح المطلك يقيم في الأردن". ولعل ما ضاعف من شكوك الطائفة السنية حول نوايا المالكي في القمة العربية هو رفضه بشدة وضع ملف الأزمة السياسية الداخلية العراقية المتفاقمة على خلفية مذكرة اعتقال طارق الهاشمي على جدول أعمال القمة. بل وعبر بعض وزراء الخارجية العرب عن ضيقهم وانزعاجهم من تشدد وتطرف حكومة المالكي فيما يتعلق بأجندة القمة واتجاهاتها المتوقعة بما يخدم أجندته الداخلية وأجندة حلفائه في إيران وسوريا. وذكرت مصادر دبلوماسية مطلعة ل "القدس العربي" في هذا الصدد أن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل لم يكتف خلال الساعات القليلة الماضية بتقليص مستوى حضور بلاده لقمة بغداد إلى مرتبة السفير السعودي في القاهرة أحمد قطان، لكنه عمل بنشاط على تقليص مستويات تمثيل الدول الخليجية الأخرى . وأضافت المصادر السابقة "البحرين ستقلص حضورها بحيث يتطابق مع مستوى سفير مع التمثيل السعودي، فيما حسمت الإمارات أمرها وتم تكليف وزير الدولة للشئون الخارجية أنور قرقاش برئاسة الوفد الإماراتي ومن المحتمل ما لم تتغير المعطيات في اللحظة الأخيرة أن لا تشارك قطر احتجاجا على رفض المالكي طرح قضية اعتقال الهاشمي على القمة". وفي تعليقه على ما سبق، قال مستشار الأمن القومي العراقي السابق موفق الربيعي لصحيفة "السياسة" الكويتية إن السعودية تمثل مركزاً سياسياً ودينياً واقتصادياً كبيراً ولذلك حضورها في القمة على مستوى سفير هو "شيء مؤسف" بالنسبة للعراق. وأشار الربيعي إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي وضعت شروطا لكي تحضر القمة على مستوى الزعماء، تتعلق بالموقف العراقي من الوضع السوري والاحتجاجات في البحرين، مؤكداً أن الموقف العراقي من الاحتجاجات في سوريا ليس جزءاً من المحور الإيراني، وأن بغداد حريصة على أن يتم التغيير في سوريا بالتدرج والمصالحة لبناء حكم ديمقراطي في هذا البلد. وبجانب ما ذكره الربيعي، فقد كشفت مصادر سياسية قربية من المالكي أيضا أن بعض دول مجلس التعاون الخليجي اشترطت على الحكومة العراقية أن تستقبل وفداً من المعارضة السورية عشية انعقاد القمة، إلا أن المالكي اعتذر عن ذلك وطلب أن يحضر وفد المعارضة بعد القمة. وتابعت المصادر ذاتها" دول مجلس التعاون الخليجي طلبت أموراً عدة من الحكومة العراقية أبرزها: التواصل مع المعارضة السورية في الخارج، ووقف تنظيم الرحلات التجارية والسياحية الإيرانية براً وجواً عبر العراق باتجاه سورية، خشية من أن تتضمن هذه الرحلات الايرانية دعماً بالسلاح والمال والمسلحين لنظام الأسد، كما طلبت دول مجلس التعاون الخليجي وقف الحملات الإعلامية المؤيدة للاحتجاجات في البحرين، وعدم التدخل في اليمن والاعتذار عن استقبال قيادات من الحوثيين في المدن العراقية الدينية، لاسيما في كربلاء والنجف". ورغم تصدي دول مجلس التعاون الخليجي بقوة لمحاولة إيرانية عن بعد لإدراج ملف الأزمة الداخلية البحرينية ضمن جدول أعمال القمة، إلا أن هناك اتهامات متزايدة للمالكي بأنه يخطط ومن ورائه طهران لاستغلال القمة العربية لمنح الأسد فرصة إضافية للإفلات من الضغوط الدولية والبقاء في السلطة. بل وأشارت وسائل الإعلام الأمريكية إلى سياسة الحدود المفتوحة التي اتبعها المالكي، والتي تسمح بتمرير شحنات الأسلحة من إيران إلى سوريا لقمع المحتجين المناهضين للأسد. وبصفة عامة، يجمع كثيرون أن سياسات المالكي الطائفية دفعت السعودية لخفض تمثيلها في القمة العربية على مستوى مندوبها الدائم لدى الجامعة العربية سفيرها في القاهرة أحمد عبد العزيز قطان، ما أثر سلبيا على القمة، بل واعتبرت أيضا الأقل تمثيلاً في تاريخ القمم العربية على مستوى القادة.