في مؤتمره الصحفي الذي عقده الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ، وهو أول مؤتمر يعقده منذ أربعة أشهر ، بدا أن شيئا فيه لم يتغير منذ كان منخرطا في مهرجانات مصارعة المحترفين ، وتأكدت مقولة أنه من الصعب أن تعيد تأهيل شخص في السبعين من عمره نفسيا وسلوكيا ، وتصرف ترامب مع مراسل سي إن إن أمام العالم كله بطريقة لا تليق حتى برئيس من جمهوريات الموز وليس الولاياتالمتحدة ، كما بدا منه اعتراف متأخر بأن روسيا قد تدخلت بالفعل في الانتخابات الأمريكية مما ساهم في فوزه ، كما سخر من تسريبات تحدثت عن وجود ملفات جنسية فاضحة له لدى المخابرات الروسية وأنها "تلاعبه" بها ، والأسوأ أن جهات استخباراتية بريطانية قالت أن كثيرا من تلك الملفات موجودة لدى أطراف أخرى غير روسيا ، بما يعني أن أيام سوداء تنتظره وقد تسقطه قبل إكمال مدته . ترامب حالة فريدة لم تشهدها الولاياتالمتحدة من قبل ، غير أن ما يهمنا في تلك القصة الآن هو انعكاسات مواقفه وسياساته وتحالفاته على شئون المنطقة ، فالرجل جمع متناقضات تستغرب كيف يمكن أن تجري شئون المنطقة وفقها ، فهو صديق لنظام أردوغان في تركيا ومتحمس للتحالف معه ، وأيضا هو صديق لنظام السيسي في مصر خصم أردوغان ومتحمس أيضا له ، كما أنه يرتبط بعلاقات جيدة مع الإمارات بخلفيات بيزنس كبير لكنه يحمل كراهية وأحقادا لا تخفى للسعودية ولعرب الخليج بشكل عام ، وهو متحمس للعلاقات مع العراق وتنسيق الجهود مع حكومته لمواجهة داعش لكنه متحمس بنفس القوة للصدام مع إيران وفرض المزيد من العقوبات عليها ومحاصرتها سياسيا وعسكريا ، رغم أن البدهيات التي يعرفها أي مشتغل بالشأن العام تقول بأن العراق يخضع لسيطرة إيرانية شبه تامة ، وجميع القوى الفاعلة فيه خاصة من الميليشيات الشيعية والكتل البرلمانية والسياسية الشيعية تتحرك بالريموت كونترول من طهران ، كيف سيجمع الرجل تلك التناقضات كلها ويديرها ؟ ، هذا هو السؤال الذي يحار المراقبون في البحث عن إجابة له . في الشأن المصري من الواضح أن أياما قاسية ستواجه جماعة الإخوان المسلمين ، باعتبار أن تحالف ترامب مع السيسي يقتضي بداهة اتخاذ موقف داعم له في مواجهة خصمه الأهم ، كما أن تصريحات صدرت من معسكر ترامب تكشف عن مثل هذا التوجه بوضوح ، بل إن تصريحات وزير خارجيته المرشح أمام الكونجرس أول أمس كانت واضحة في أنه يضع جماعة الإخوان ضمن التنظيمات الإرهابية التي يتوجب مواجهتها ، أضف إلى ذلك أن السيناتور الجمهوري في الكونغرس الأمريكي "تيد كروز" ، والذي كان مرشحا رئاسيا ضد ترامب ، قدم مشروع قرار يطالب بإدراج جماعة "الإخوان المسلمين" على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية ، وقدّم كروز مشروع القرار الخاص بالإخوان المسلمين بالاشتراك مع زميله السيناتور "ماريو دياز- بالارت" من ولاية فلوريدا، ونصّ مشروع القرار على أن الشروط متوفرة لإدراج وزارة الخارجية الأمريكية جماعة الإخوان المسلمين في قائمة المنظمات الإرهابية ، وأبدى افتخاره بمشروعه هذا على صفحته في تويتر . صحيح أن مرور هذا المشروع يحتاج وقتا وفلترة طويلة عبر الكونجرس بغرفتيه وصولا إلى تصديق ترامب ، إلا أنه يمضي في نفس الأجواء التي تتجه لها إدارة ترامب ، بما يعني أن الإدارة الأمريكية الجديدة تتجه بالفعل إلى محاصرة جماعة الإخوان ، ليس في مصر فقط ، بل في العالم كله ، وهو أمر من شأنه أن يشكل ضغطا سياسيا وتنظيميا هائلا على الجماعة . كذلك ، إذا مضت الأمور في هذا السبيل ، وهو الأرجح ، فإننا قد نكون بإزاء مراجعة تركية للموقف من جماعة الإخوان ، باعتبار أن احتضان تركيا لكوادر الجماعة والدفاع عنها يعني صداما مع إدارة ترامب التي تحرص على تعزيز تحالفها مع أردوغان ونظامه ، ولا يعرف إلى أي مدى يمكن أن يتجاوب النظام التركي مع ذلك التوجه ، هل بإبعاد كوادر الإخوان ونشاطاتهم بالكامل من تركيا ، أم بتقليص نفوذهم والتضييق على تحركاتهم ، هذا ما سوف تتكشف معالمه في الأشهر الأولى من ولاية ترامب الرئاسية . الصورة غامضة بدون شك في السلوك الأمريكي المرتقب مع كثير من قضايا المنطقة ، لكن المؤكد أن موازين كثيرة ستختلف ، وحسابات كثيرة ستتبدل أيضا .