أعادت مجلة "الأزهر" التى تصدر عن مؤسسة الأزهر الشريف نشر مقال للكاتب الصحفى جمال سلطان، رئيس تحرير "المصريون"، يرد فيه على الانتقادات التى توجه للمؤسسة الأزهرية واتهامها بدعم الإرهاب، على الرغم من دورها فى الحفاظ على الوسطية الدينية فى مصر والعالم الإسلامى أجمع. واستنكر "سلطان"، فى مقاله الذى نشرته "المصريون" يوم 17 ديسمبر الجارى تحت عنوان "ارفعوا أيديكم عن الأزهر"، الهجوم الذى تتعرض له المؤسسة الأزهرية من قِبل من وصفهم بالفاشلين، الذين يعلقون فشلهم على "شماعة الأزهر"، ووصل الأمر إلى حد أن تطالب بعض الأصوات الجاهلة والجهولة بإلغاء استقلالية التعليم الأزهري وإلحاق مؤسسات الأزهر التعليمية بالتعليم العام من أجل إنقاذها المزعوم من الفشل وتوليد الإرهاب. وقال "سلطان"، "كلما وقعت حادثة إرهابية أو تكشفت ظواهر جديدة تؤكد وجود جماعات إرهابية جديدة ضمت إلى صفوفها أجيالا جديدة من الشباب الطائش الجاهل تروع البلاد وترتكب الجرائم والحماقات ، كلما حدث شيء من ذلك وثارت الضجة صرخ صارخهم : أين الأزهر ، نريد تجديد الفكر الديني ، والأزهر لا يقوم بواجبه ، وهي محاولات مستمرة لابتزاز المؤسسة الدينية العريقة ، المؤسسة التي تمثل البقية القليلة الباقية من قوة مصر الناعمة التي تلاشت الآن عالميا وحتى عربيا ، لم يسأل أحدهم نفسه السؤال البديهي : كم إرهابي من هؤلاء درس في الأزهر وتربى على مناهجه وتعلم على يد علمائه وتربى على يد مشايخه ، وكم واحد منهم درس في تعليمكم الرسمي العام وتربى على مناهجكم ، لا يسألون هذا السؤال البديهي أبدا ، لأنه إجابته كافية لكشف عوراتهم ودحض حجتهم وفضح فشلهم وخوائهم ، فكل الإرهابيين الذين عرفتهم مصر على مدار الأربعين عاما الماضية كانوا من خريجي التعليم العام ، طلاب في الثانوي العام أو في كليات العلوم والزراعة والتربية والهندسة والطب ، أو تخرجوا من هذه المؤسسات التعليمية". وواصل "سلطان": "جميعهم من تربيتكم أنتم واختلالكم أنتم وفشلكم أنتم ، ولا يوجد إرهابي واحد كان من خريجي الأزهر ، أو إن شئنا الدقة تحوطا للإحصائيات فقط لن تجد سوى واحد في المائة يمكن أن يكون قد مر على الأزهر ، وباقي التسعة وتسعين إرهابيا كانوا من خريجي التعليم العام ، وهذا الشاب الإرهابي المنسوب إليه تفجير الكنيسة البطرسية الأخير الذي فجع مصر كلها هو طالب من الثانوي العام وكان يدرس في كلية العلوم جامعة الفيوم ولا صلة له بالأزهر ولا مناهجه ، وإنما صلته بمناهجكم أنتم وتربيتكم أنتم وبرامجكم أنتم ، فأي المنهجين أحق بالبحث في تجديده وتصحيح مساره ، وأي المؤسستين حرية بأن تراجع مناهجها ومشروعاتها وخططها وبرامجها ، الإجابة واضحة ، فلا تتمسحوا في الأزهر ، امسحوا عورات تعليمكم بعيدا عن الأزهر". وأضاف: "فالجهل عندكم هو الذي خرج الإرهاب ، وتهميش الدين في مؤسساتكم وتهميش علومه هو الذي فرخ الإرهاب ، وتحويل التعليم إلى نوع من الوجاهة الاجتماعية أو فرصة للوظيفة هو الذي فرغه من أي مضمون أخلاقي أو تربوي صحيح . صفحة الأزهر في مواجهة الإرهاب ناصعة ، والمؤسسة الوحيدة في مصر التي تواجه الإرهاب مواجهة رصينة وعلمية ودينية وجادة هي الأزهر ، ولكن عمليات الابتزاز المستمرة للمؤسسة والتشهير بها والضغط عليها بصفة مستمرة لصياغة مناهج هشة وسطحية هي المسئولة عن إضعاف دور الأزهر ، ولكي تصل الدعوة والدين إلى عمق التأثير لا بد أن تكون له مصداقية ، لا بد أن يكون موثوقا لدى الناس ، والمصداقية تحتاج استقلالية وإبعاده عن التوظيف السياسي المهين من قبل الدولة في كل نازلة ، وهناك من يريد للأزهر أن يكون "ذيلا" تابعا لهذه الجهة أو تلك ، لدرجة أن رساما تافها تولى منصب الوزارة من قبل كان ينازع الأزهر بكل عراقته وتاريخه في أن يكون مرجعية الشأن الإسلامي في مصر ، هل رأيتم إلى أي مدى وصل الهزل والتهريج ، ثم يقولون : أين الأزهر ؟!. مناهج الأزهر وعلوم الأزهر هذه وتراث الأزهر هو الذي تخرجت عليه أجيال من رموز مصر وقادتها على مدار التاريخ ، في العلوم والدين والمعارف والفنون والآداب ، ألف عام ، ولم تكن مصر طوال ذلك التاريخ تعرف الإرهاب ، فلماذا ظهر الإرهاب الآن ، ولماذا نمسح سوأته في الأزهر". وتابع: "الإرهاب مشكلة مركبة يواجهها العالم على فترات ، أصلها انقسامات سياسية وصراعات سياسية ، تمتطي الدين أو الفكر أو الأيديولوجيا أو حتى العصبيات العرقية ، فظهرت في أوربا نفسها منظمات مثل الألوية الحمراء الإيطالية أو بادر ماينهوف الألمانية أو الجيش الأحمر الياباني أو غيرها ، تمارس الإرهاب والتفجير وخطف الطائرات ، وكلها ايديولوجيات يسارية لا صلة لها بالدين ، وفي مصر كانت هناك منظمات يسارية وناصرية إرهابية لا صلة لها بالدين ، وفي الفترة الحالية هناك منظمات إرهابية مثل داعش تتمسح في الدين ، فأصل الإرهاب هو صراعات سياسية تبحث عن "الرائج" فكريا في زمانها ، دينيا أو أيديولوجيا لتتخذه مطية لتبرير إرهابها ، ولا يعجز أحدهم أن يفسر نص القرآن نفسه وليس نصا تراثيا تفسيرا متعسفا يخدم هواه ، وكلها ظواهر عارضة في التاريخ ، لا تستمر سوى لسنوات قليلة وتتآكل وتنتهي ، بانتهاء حقبة الصراعات ، ولذلك بح صوتنا وصوت آخرين في التأكيد على أن معالجة الإرهاب هي مسئولية شاملة ، سياسية واقتصادية واجتماعية وتعليمية وثقافية ودينية أيضا ، ويستحيل أن ينجح الخطاب الديني وحده في إنهاء الإرهاب ، ما لم يكن جزءا من إصلاحات شاملة في كل تلك المجالات ، وأن يتحمل الجميع مسئولياتهم ولا يهربوا منها بالبحث عن شماعة المؤسسة الدينية. واختتم مقاله بقوله: "ارفعوا أيديكم عن الأزهر ، لا تخسروا الأزهر ، فالأزهر هو عمود الخيمة للوسطية الدينية في مصر والعالم الآن ، وأي إضعاف له أو تلاعب به سيكون بالغ الخطورة على الوطن ووعيه ووجدانه ، وبدون أي شك أو مبالغة ، فكل محاولة لإضعاف الأزهر أو التقليل من شأنه ومن دوره هي خدمة حقيقية للإرهاب ، وتعريض أمن البلاد واستقرارها لخطر حقيقي على المدى البعيد".