تهديدات بتخفيض المعونات العسكرية.. وزيارة «شكري» أخفقت في تسوية الخلافات مشروعا قرار بالكونجرس يهددان المعونة الأمريكية.. ويناير شهر الحسم "سأعمل على قطع المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية, بسبب استمرارها فى دفع رواتب للسجناء الفلسطينيين الإرهابيين، ولمصر بسبب قمعها التشريعى الحديث لمنظمات المجتمع المدنى وذلك خلال شهر يناير المقبل". هكذا أفصح ليندسى جراهام، رئيس اللجنة الفرعية للعمليات الخارجية بمجلس الشيوخ عن نواياه لوقف المعونة العسكرية لمصر، والبالغة 1.3 مليار دولار, بعد إعداد مشروعي قانونيين يستهدفان تعليق المساعدات إلى السلطة الفلسطينية ومصر، وإرسالهما إلى مجلس الشيوخ، وذلك لتمريرهما وتفعيلهما، بدًا من يناير المقبل. ويحمل اسم مشروع القانون الخاص بمصر، اسم "قمع منظمات المجتمع المدنى المصرية". وجاء ذلك بعد أن طالب الرئيس عبدالفتاح السيسي، الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، بزيادة المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، إلا أن الأخير تحكمه شكوك حول احتمال قيامه بإعادة هيكلة المعونات بعد ال 20 يناير، بحجة أنها تذهب للأغنياء فقط ويستفيد منها الجهاز البيروقراطي الحكومي في مصر ولا يستفيد منها الفقراء. وفى 17 يونيو 2014 قدم مجلس الشيوخ مقترحًا لخفض المعونة العسكرية الأمريكية لمصر من 1.3 مليار دولار سنويًا إلى مليار دولار فقط، وكذا خفض المعونة الاقتصادية من 250 مليون دولار إلى 150 مليون دولار. وسبق هذا المقترح مقترح آخر قدمه الجمهوريون بمجلس النواب تضمن ثبات المعونة العسكرية عند مستوى 1.3 مليار دولار سنويًا، وخفض المعونة الاقتصادية بواقع 50 مليون دولار لتستقر عند 200 مليون دولار فقط سنويًا. كما هدد باتريك ليهي رئيس اللجنة الفرعية للمخصصات بمجلس الشيوخ، بتخفيض المساعدات العسكرية لمصر بسبب ممارسات القاهرة في ملف حقوق الإنسان والحريات. وقدّم النائب الجمهوري آدم شيف، مشروعًا لتخفيض المساعدات العسكرية ودعا الولاياتالمتحدة لتعديل نمط مساعداتها لمصر وقصرها على المساعدات التى تحتاجها للعودة للمسار الديمقراطي. وأشعلت هذه المطالب قلق السلطة في مصر، التي أوفدت وزير الخارجية سامح شكرى، فى زيارة لواشنطن، لمطالبة الإدارة الحالية بزيادة قيمة المعونات العسكرية لمصر بمقدار 3ملايين دولار سنويًا بعد تصاعد التحديات التى تواجهها، واشتعال الحرب التى تشنها على الإرهاب سواء فى شبه جزيرة سيناء، أو فى القاهرة، وهى مساع لم يكتب لها النجاح بحسب مصادر مطلعة. وتزامنت الزيارة مع تصاعد مطالب أمريكية تنادى بربط المساعدات العسكرية أو الاقتصادية لمصر بإحداث تقدم فى مجالات حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات والعدالة وحرية التجمع وغيره, لاسيما أن ترامب خلال حملته الانتخابية ركز على التوتر الموجود بين الإدارة الأمريكية ومنطقة الشرق الأوسط وعدم الاستقرار، فى ظل مساعيه لتحقيق الاستقرار فى المنطقة. ومما يزيد من حالة القلق المصرى، إدخال إدارة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما شروطًا وتعديلات على المعونة تطبق بدءًا من 2018 وتفقد مصر ميزات مهمة كانت تتمتع بها من قبل فى المعونة، وتتمثل هذه التعديلات فى إلغاء آلية التدفق النقدى وتحديد مجالات استخدام المساعدات العسكرية. تتعلق آلية التدفق النقدى Cash flow financing، وهى آلية كانت متاحة فقط لمصر وإسرائيل، بإمكانية التعاقد على شراء أسلحة تُدفَع قيمتها من مبلغ المعونات العسكرية فى السنوات المقبلة، وقد مكّنت هذه الآلية مصر من شراء نظم أسلحة مهمة تحتاج إليها دون الالتزام بالدفع الحالى أو المسبق. ويبدو أن الغرض من هذا التعديل هو رغبة الولاياتالمتحدة فى تحرير نفسها من هذه الالتزامات التى قيّدت قدرتها على قطع أو تخفيض المعونات العسكرية لمصر وضيّقت إطار حركة متخذى القرار نتيجة ارتفاع كلفة إلغاء الصفقات التى كانت مصر قد تعاقدت عليها بالفعل والتى كانت ستكلف الولاياتالمتحدة تعويضات طائلة لشركات السلاح، بالإضافة إلى تسببها فى تسريح عدد كبير من العمال. فكرة إلغاء آلية التدفق النقدى، كانت قد طُرِحت بعد أزمة التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى فى مصر فى 2012 والمحاكمات التى ضمّت عددًا من المواطنين الأمريكيين، لكنه حينذاك واجهت نفس المشكلات التى أشرنا إليها وهو الأمر الذى ساهم بعد ذلك فى دفع أوباما إلى إدخال هذا التعديل بدءاً من 2018 ليوسّع مجال الحركة والمناورة وفرض الشروط أمام صانع القرار الأمريكي. ويبدو أن إدارة أوباما، قد استغلت حالة الضعف والتراجع المصرى من أجل إدخال تعديلات تحرم مصر من نظم تسليح معينة والتركيز على نظم أخرى أقل تهديداً لإسرائيل بحجة مواجهة الإرهاب. من جانبه، قال الدكتور أحمد رفعت، أستاذ القانون الدولي، إن "قطع المعونة العسكرية عن مصر، ولو جزئيًا، يُعتبر إخلالاً رئيسيًا بأحد البنود الضامنة التى قدمتها الولاياتالمتحدة للطرفين للتأكد من استمرارها"، مستبعدًا قطع الولاياتالمتحدة أو تأخير المعونة مهما كانت الأسباب. وأضاف رفعت ل "المصريون"، أن الإخلال بأحد بنود الاتفاقية، ولو كانت ضامنة، يُعتبر إخلالاً بالاتفاقية برمتها، ومن ثم يكون لمصر الحرية الكاملة فى التحرك بما يوافق مصلحتها حتى ولو كان تعديل الاتفاقية كاملة أو الحديث عن إلغائها كاملة". وأشار إلى أنه "لو قررت الولاياتالمتحدة قطع العلاقات العسكرية مع مصر، فإن ذلك سيكون "حماقة"، لما سيمثله من خطر على مصالحها فى الشرق الأوسط وخاصة تهديد أمن إسرائيل حال إلغاء الاتفاقية". وأكد أستاذ القانون الدولي، أن "التصريحات الصادرة عن الإدارة الأمريكية بشأن المعونة متضاربة، فهى تستخدمها حسب مصلحتها الخاصة مثلما لوّحت بقطعها لدعم تنظيم الإخوان قبل سقوطه من الحكم، ولكن الموقف الرسمى المعلن من المتحدث باسم البيت الأبيض بأنها مستمرة سيكون مطمئنًا". واعتبر أن "تلويح قادة القوات المسلحة بتنويع مصادر السلاح هو أكثر ما يقلق الإدارة الأمريكية حاليًا، فهى تخشى من عودة التحالف المصرى الروسى وما يخلقه لها من هواجس عودة غريمها التقليدى "الاتحاد السوفيتي"، أو التقارب المصرى الصينى، وهو ما سيضر المصالح الأمريكية بجميع دول العالم وليس فى مصر فقط". وقال، إن "المراوغات الحالية بين الإدارتين المصرية والأمريكية هى حرب للثبات، فمن سيعتز بنفسه وبحرية إرادته وعدم تأثره بالمعونة سيكسب صراع المعونة نهائيًا، بل يمكن أن تعرض الولاياتالمتحدة مضاعفة المعونة لإرضاء مصر حال نجاحنا فى الاختبار الحالي". في المقابل، أكدت الدكتورة نهى بكر أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية، أنه "فى عهد النظام الديمقراطى شهدت العلاقات المصرية الأمريكية توترًا شديدًا، وتأثرًا بعد 30يونيو على صعيد المساعدات العسكرية والاقتصادية، واتجهت مصر إلى دول أخرى، وفى هذا الإطار استمر المد والجزر بين سياسة أوباما ومصر". وقالت بكر، إن "ترامب لن يستعمل سياسة سلفه ولن يتدخل فى شئون المنطقة العربية، وسيكون حليفًا لمصر، وهذا اتضح خلال المناظرات والخطابات، ولن يستغل حجة ملف الحريات وحقوق الإنسان للتدخل فى المنطقة، ومن المتوقع التركيز على الجانب الاقتصادى، وقانون محاربة الإرهاب، والملف السورى". ورجح نشوب خلاف بين مصر والولاياتالمتحدة فى ملف الصراع العربى الإسرائيلى، حيث إن ترامب مساندًا لإسرائيل بكل قوة ومن المتوقع اعترافه بالقدس عاصمة أبدية وموحدة.