يبدو لي أن الرئيس الإيراني محمد أحمدي نجاد سئ الحظ مع الدول الغربية، فقبيل تصريحاته الأولى عن المحرقة والاغتصاب الصهيوني لفلسطين، وضرورة نقل يهود إسرائيل الى مقاطعة في النمسا أو المانيا، كانت لرئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد تصريحات مشابهة وذلك في خطاب له ألقاه أمام مؤتمر القادة المنعقد في دبي، وهو لقاء سنوي ومنتدى دولي لقادة الأعمال والسياسة في العالم. لقد اعتبر رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد في دبي أن اليهود ليسوا شعبا أسمى من باقي البشر لكيلا ينتقدوا، مؤكدا أن الفلسطينيين ينفذون عمليات انتجارية لأن ليس لديهم وسائل أخرى. وقال في لقاء القادة بدبي: " لماذا عندما يتكلم أحد بالسوء عن الإسلام لا يحرك أحد ساكنا، أما عندما ينتقد أحدهم اليهود، يتهمونه بمعاداة السامية، فهل اليهود أسمى من باقي البشر لكيلا ينتقدوا – مشيرا الى أن العرب ساميون أيضا – ورأي مهاتير محمد الذي استقال من منصبه عام 2002، أن منبع مشكلة الإرهاب هو في إعطاء جزء من أرض شعب لشعب آخر، وإقامة دولة على هذه الأرض، واعتبر أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو مشكلة أرض وليست مشكلة دينية، مضيفا : تذكروا أن هناك مسيحيين عربا يقاتلون الى جانب المسلمين من أجل فلسطين". وأضاف: "إن الفلسطينيين مقموعون وليس لديهم أسلحة، لذلك يقومون بتفجير أجسادهم، وقد يقول البعض إن ذلك إرهابا، لكني أقول أيضا إنه عندما تقوم دول كبرى بقصف وقتل مدنيين بواسطة طائراتها المتطورة فهي أيضا دول إرهابية." * * * ولكن، ما الذي قاله الرئيس الإيراني؟ سواء عقب القمة الإسلامية في مكةالمكرمة أو لقناة العالم الإيرانية؟ لقد قال: " إن على المانيا والنمسا أن تقيما دولة إسرائيل على أراضيهما إذا كانتا تشعران بالذنب بسبب المجازر ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية" وأضاف الرئيس الإيراني في مقابلته مع القناة الإيرانية الفضائية العالم مخاطبا الأوروبيين: " تعتقدون أن اليهود اضطهدوا، لكن لماذا يتوجب على الفلسطينيين أن يدفعوا الثمن؟ لقد اضطهدتموهم، حسنا اعطوا قطعة من الأرض الأوروبية للنظام الصهيوني ليقيم فيها الحكومة التي يريد وسندعمها"، وأضاف: " فلتعط المانيا والنمسا مقاطعتين أو ثلاث مقاطعات الى النظام الصهيوني، عندها ستحل المشكلة من جذورها." * * * قد تكون تصريحات الرئيس الإيراني أقل دبلوماسية، وهذا شئ طبيعي لرجل يمارس صناعة الحكم لأول مرة في حياته، مقارنة برئيس الوزراء الماليزي السابق، الذي أمضى – رغم كونه طبيبا – معظم حياته المديدة في السياسة والحكم، لكن جوهر التصريحين واحد، وهو أن أرض شعب عربي مسلم قد تم اغتصابها بالقوة والمجازر، لأعطائها لشعب غريب كتعويض لاضطهاده في أوروبا، ولكن على حساب ملايين الفلسطينيين القابعين تحت الاحتلال والتوسع الدموي، أو المشردين في مخيمات اللاجئين خارج فلسطين!؟ وتلك حقيقة لا جدال حولها من حقائق التاريخ الحديث. مشكلة الرئيس الإيراني إذن، أنه تجاوز كلام رئيس الوزراء الماليزي بخطوة واحدة الى الأمام، بأن اقترح كحل للمشكلة الفلسطينية، أن تعطي المانيا أو النمسا، باعتبارهما المضطهدين الرئيسيين لليهود والأكثر شعورا بالذنب، جزء من أراضيهما ليهود إسرائيل بدلا من فلسطين. قد يبدو ذلك مجرد رأي أو اقتراح لا يبرر كل هذا الانزعاج الأمريكي والأوروبي على السواء، لكن المشكلة أن الأمريكيين والأوربيين قد ظنوا – خطأ - أنهم بعد اغتصاب الأرض وتأسيس الدولة الصهيونية، وتسليحها بأكثر الأسلحة تطورا بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل، ثم قبولها عضوا في هيئة الأممالمتحدة، قد ضمنوا الشرعية لإسرائيل بهذا الاغتصاب وأغلقوا ملفها، بحيث لا يجوز التشكيك فيها أو الحديث عنها!؟ وذلك ما أثار كل ردود الفعل الغاضبة ضد تصريحات الرئيس الإيراني، سواء من الأمريكيين أو الأوروبيين، ولقد كان الخطأ الأكبر هو أن الأمريكيين والأوروبيين قد تركوا الضحية وهم الفلسطينيون، تحت رحمة الجلاد الصهيوني يفعل بهم ما يشاء، وبذلك لم يقيدوا شرعية الاغتصاب بتحقيق الحدود الدنيا من العدالة للضحية، فمضت الدولة الصهيونية منذ تأسيسها وحتى اليوم على وتيرة واحدة من المذابح الجماعية للفلسطينيين ومصادرة ما تبقى من أراضيهم وتدمير مدنهم ومزارعهم، وملء السجون والمعتقلات منهم، وإذلالهم وتدمير كل مقومات الحياة الإنسانية لهم، وكل ذلك من شأنه أن يضع علامات استفهام عديدة على شرعية الكيان الصهيوني، والجرائم الكبرى التي صاحبت اغتصابه لفلسطين ولا تزال مستمرة حتى اليوم. * * * ومن الإنصاف القول بأن الرئيس الإيراني قد أشار إلى ذلك بكل وضوح، لكن ردود الفعل الغاضبة من أمريكا وأوروبا اكتفت بالتركيز على اقتراحه، بنقل يهود إسرائيل الى المانيا أو النمسا أو كندا أو أمريكا أو ألاسكا، وأهملوا تماما بقية تصريحاته التي قال فيها: " إن علاقتنا مع أمريكا شئ آخر، لكن انتبهوا للكلمات التي أقولها لكم، فعندنا في العالم مكان اسمه فلسطين، وهذه الساحة الناس يقتلون فيها وتسفك دماؤهم منذ عشرات السنين. واستطرد قائلا: نشاهد اليوم الشبان والمنظمات يتم استهدافهم، فماذا يجب أن نفعل، فالمساعي السلمية منذ خمسين عاما لم تصل الى نتائج ملموسة، والمحتلون الصهاينة في القدس ليست لهم جذور في هذه الأرض، وهم يقومون بالاعتداءات على الشعب الفلسطيني، ويدمرون الأرض ويشردون السكان الأصليين، وأصبح هناك ملايين المشردين." * * * لقد قال وزير الخارجية البريطانية جاك سترو إن مقترحات الرئيس الإيراني هي خارج أي نقاش حضاري، وقال البيت الأبيض إنها تصريحات مشينة، وعلق الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية بأن هذه المقترحات خارج نطاق الشرعية الدولية !!؟، ومن الطبيعي أن نسأل كل هؤلاء : هل بقاء ستة ملايين فلسطيني مشردين في الخيام خارج بلادهم لأكثر من نصف قرن يدخل في النقاش الحضاري ويندرج في نطاق الشرعية الدولية؟ هل رفض إسرائيل واحتقارها لأكثر من مائة قرار دولي، وتمزيقها لكل اتفاقيات السلام التي وقعتها مع الفلسطينيين، ليس عملا مشينا بل بالغ الخطورة؟! هل رفض إسرائيل للمبادرة السعودية للسلام، والتي تبناها القادة العرب فأصبحت مبادرة عربية، تمثل الحدود الدنيا للعدالة للفلسطينيين، لا يطرح التساؤل عن شرعية هذا الكيان الغاصب وخطره على الأمن والسلام الدوليين؟! هل رفض إسرائيل لقرار محكمة العدل الدولية بهدم جدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل لابتلاع الأراضي الفلسطينية وحصار الفلسطينيين وإذلالهم، هل هذا الرفض ليس عملا مشينا ويدخل في نطاق النقاش الحضاري والشرعية الدولية التي يتحدث عنها الناطق الرسمي باسم إسرائيل؟! * * * لقد أكد تقرير روسي رسمي أن الخبراء الإسرائيليين لا يزال يتم تأهيلهم حتى يومنا هذا في مراكز الأبحاث النووية في فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية، وأن الأمريكيين لا يزالون يزودون إسرائيل بالماء الخفيف والثقيل واليورانيوم العالي التخصيب، في الوقت الذي تفرض أمريكا حدودا صارمة على تسيلح الدول العربية والإسلامية، بما يضمن التفوق العسكري المطلق لإسرائيل، أضف الى ذلك ذلك مكر الليل والنهار الذي تمارسه إسرائيل ضد إيران وباكستان للحد من قدراتهما العسكرية، فهل يدخل كل هذا في نطاق الشرعية الدولية والنقاش الحضاري؟! إن تصريحات الرئيس الإيراني ليست – كما قال – زلة لسان أو فورة عواطف، لكنها تعبير عن غضب مكتوم من التهديدات العسكرية ومن الحصار الأمريكي الإسرائيلي، والذي أصبح يدق أبواب إيران من داخل العراق، وعلينا نحن العرب أن نفرق بين موقفنا من البرنامج النووي لإيران، والهجمة الأمريكية الإسرائيلية عليها، لأن هذه الهجمة الظالمة تستهدفنا أجمعين.