لم يعد الفقه - عند بعض المنتسبين للعلم – ينهض على أصول علمية في كيفية إنزال الحكم الشرعي على الواقع، ليس لقلة علمهم ولكن لقلة أدبهم، ففتاواهم تصدر وفقاً لأصول لعبة الثلاث ورقات، واستنباط الأحكام ليس بالنظر في الدليل ولكن باللف والدوران حول الدليل. إنهم" حلنجية" الفقه، يستخرجون الحرام من قلب الحلال، وينسلون المعروف من نن عين المنكر، يتعاملون مع الآيات والأحاديث بنظام ال " dupla face". و"الحلنجي" لمن لا يعرف هذا المصطلح العامي، هو حاجة كده زى "الفهلوى". والمدرسة "الحلنجية" في الفقه المعاصر تضم في زمرتها أزهريين وصوفيين وآخرين يسمون أنفسهم بالباحثين في الشأن الإسلامي وفئة من السلفيين النورانيين البراهمة وغيرهم. وجميعهم على اختلاف مشاربهم والمدارس التي انسلخوا عنها، أصبحوا يجتهدون في فهم النصوص الشرعية ليس على حسب أصول الاستنباط ولكن وفقاً لأصول الاستعباط وعلى حسب الريح ما تودى الريح. ووفقاً لأصول مدرسة الفقه "الحلنجي" صدرت الفتوى التي يتم تداولها الآن على مواقع التواصل الاجتماعي لبعض سلفية حزب النور وهم يقولون أن تعويم الجنيه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، مستدلين بحديث أنس بن مالك قال:{ غلا السعر في المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الناس: يا رسول الله غلا السعر، فسعر لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله هو المسعر، القابض، الباسط، الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال } رواه الخمسة إلا النسائي ، وصححه ابن حبان. وهذا أمر بدهي فلو سعر رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس لما جاز لأحد بعده الى يومنا هذا البيع أو الشراء إلا بالسعر الذي حدده، والزمان يتغير وعلاقات السلع والاثمان فيما بينها لا تثبت، ولشق ذلك على الناس من بعده. وجواز التسعير بالنسبة للسلع مسألة خلافية وان كان جمهور الفقهاء على منع التسعير خاصة في الظروف العادية التى لا تكون فيها السلع مغالاً في أثمانها. والواقعة المروية في الحديث لا علاقة لها بتعويم الجنيه أو تحديد سعره، فالتعامل بالنقود الورقية أمر مستحدث لم يكن في زمن النبى صلى الله عليه وسلم، وقيمة العملة الورقية هي قيمة أسمية وليست ذاتية وبالتالي فإن إنزال حكم السلعة عليها أمر فيه نظر. فللحكومة إن تسعر الجنيه أو تعومه وفقاً للمصلحة المترتبة على أى من القرارين، والمعارضون للتعويم من ذوي الخبرة الاقتصادية يرون فيه كارثة على الاقتصاد وهو ما حدث بالفعل . ولماذا لم يطالب هؤلاء بتعويم الجنيه عندما كانت الحكومة تسعره ولم يتذكروا الحديث الا بعد قرار الحكومة بالتعويم،وفي ظل نظام غير معني بتأصيل قراراته وأعماله تأصيلاً شرعياً، ولكنها "الغتاتة" والتمسح في جدران الحاكم، ونظرة ومدد. فهؤلاء يتعاملون مع الآيات والأحاديث وكأنها"استيكرات"يتطوعون بلصقها على أعمال الحكومة وقراراتها دونما فقه لمعانيها أو اعتناء بمقاصدها، وإنما يكفي فقط الشبهة الظاهرة والتناسق الشكلي، كما يكتب أصحاب المحال التجارية على واجهات دكاكينهم. محل العصير(..وسقاهم ربهم شراباً طهوراً) سورة الإنسان الآية 21،الحلاق( تعرف في وجوههم نضرة النعيم) سورة المطففين الأية 24. سيارات الأجرة يلصق استيكر مكتوب عليه ( يا بني اركب معنا..) سورة هود الآية 42. انه التأويل السطحي للآيات والفهم الساذج للدليل وإنزاله في غير موضعه ليس جهلاً أو خطأ في الاجتهاد، وإنما تطبيقاً لقاعدة"اربط الحمار مطرح ما عايز صاحبه". عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.