توقفت كثيراً ، متأملاً في عبارة كتبها الراحل الدكتور عبدالمجيد شيحة ، أستاذ علم النفس بجامعة المنوفية ، في مقدمة إحدي مؤلفاته ، قائلاً " إن إصلاح التعليم في مصر ، لن تنفع معه عمليات الترقيع أو السمكرة " ، ولكم تعجبت من فلسفة المعني ، التي تحمله تلك العبارة ، التي أقرت بواقع مرير ، يعانيه تعليمنا القومي .. وعندما تقرر تدريس اللغة الإنجليزية لتلاميذ الصف الرابع الإبتدائي في عام 1994م ، ارتبكت وزارة التربية والتعليم ، ولجئت لتكليف معلمي الفلسفة وعلم الاجتماع وأشباههم بتدريس تلك اللغة ، برغم قلة معرفتهم بمهارات وفنون الإنجليزية كلغة حيوية ومادة دراسية ، وليس تدريسها بالأمر الهيِن ، فالوزارة أوكلت إليهم تلك المُهمة ، وتركتهم يتخبطون ، تارةً يصيبون وتارةً يخطئون ، خاصة أن مهاراتهم في النطق السليم لكثير من الكلمات ضعيفة ، علاوة علي صعوبة التعامل مع خبايا اللغة الإنجليزية وقواعدها الشاذة وأزمنتها .. ثم تجد أن الضحية ، كانت ولا تزال متمثلة في تخريج أجيال ، تشتكي جهلها بالإنجليزية ، قراءةً وكتابةً وتحدثاً واستماعاً!! وذات مرة ، كان معلم التربية الدينية ، يقرأ إحدي سور القرآن الكريم داخل الفصل ، ثم أخطئ في التلاوة ، دون لا يدري ، ففوجئ بتلميذ في الابتدائية ينبهه للطريقة السليمة للتلاوة ، فإرتبك المعلم ، وابتسم ليواري خيبته ، قائلاً للتلاميذ " لقد قرأت خطئاً - متعمداً - كي أختبركم !!" ، إنها كارثة ، بأن يَعجز معلم القرآن علي معرفة أحكام تلاوة القرآن أو تجويده .. هذا المعلم الذي يحمل مؤهل متوسط ، قد فوجئ بنفسه قد صَغُرت بحجم النملة أو أصغر من ذلك ، عندما نبهه طفل مجتهد ، بأنه مُخطئ !! وكثيراً ما يعاني الطلاب من بعض الحصص التي لا تقدم لهم نفعاً ، مثل حصة التربية الزراعية ، وحصة الريادة ، والحصص الإحتياطية .. أما حصص المجال الزراعي ، فيقوم مُعلمها بأخذ طلابه لجُنينة المدرسة ، يرتعون ويلعبون حتي تنتهي الحصة .. وغالباً ما يكون تفعيلها ، حبر علي ورق ؟!!. أما الحصص الإحتياطية ، فهي أذي ، تواجهه إدارة أي مدرسة بصفة يومية تقريباً .. عندما يُفاجئون بغياب مجموعة من المعلمين صباح كل يوم دراسي ، فيسارعون بتوزيع حصصهم احتياطياً علي باقي الزملاء ، حتي لا تتحول الحصص ، لحالة من الهرج والمرج .. وتجد المُعلم البديل يدخل مكان زميله الغائب .. غاضباً في نفسه ، كاظماً غيظه .. ذو وجه عبوث ، صدره ضيقاً كأنما يصَعد من السماء ، فلا يُعطي للطلاب مجالاً للمزاح .. فينهر من يحدث الشغب أو يضربه .. غير أن حفنه من المعلمين الذين يلجئون للشرح بالحصص الإحتياطية ، أما أكثرهم فيضربون عن ذلك ، طالما أنه ليس هناك مقابل مادي نظير شرحها . أما حالات الغش الفردي والجماعي ، فهي صارت عادة مصرية مدرسية مفروضة ، سواء بالسلم أو القوة ، ولكن كيف يلجيء الطلاب للغش ، وهم يُفترض أنهم في الغد .. فيهم الضابط والطبيب والمهندس والقاضي ؟! فالمريض يُشخَص مرضه خطئاً ، وربما يموت بعلاج طبيب مُخادع نجح بالغش .. والبيوت ربما تنهار إذا بناها مهندس خائب ، تسلق سنوات تعليمه بالغش ، والجهل يتفشي في عقول أبنائنا إذا وُكِلت رسالة التعليم ، لمعلم إتخذ سبيله نحو الغش سربا !! ويا للعجب بأن يحصل كثيراً من طلاب الدبلومات علي مؤهلاتهم ، وهم يكادون لا يعرفون كتابة أسمائهم !! بل تجدهم ضعفاء جداً في القراءة والكتابة ، إذن فكيف تخطوا الصفوف الدراسية ، وحصلوهم علي شهادة الدبلوم إلا بالغش ،، وتجد الشخص منهم يخبرك بأنه معه " دبلون " ، يعتقد أنه بالنون ولا يعرف أن مسماه الصحيح " دبلوم " بالميم ، وكذلك الحاصل علي محو الأمية ، يقول " أنا معي شهادة نحو أمية " ، ولا يدري أنها " محو أمية " أي مسح وإزالة للجهل !! وها هو مُعلم تجرد من أخلاقه ، وكان يتحدث إلي تلامذته في المرحلة الإبتدائية بشأن إيحاءات جنسية صريحة ، تقتل براءتهم ، وتحدش حيائهم .. ، ثم كان يهدد التلاميذ ، بالعقاب الأليم ، إذا ما أخبروا أولي أمرهم بتلك الأمور الفظَه.. وإلي الآن لايزال ذلك المعلم في مكانه .. مستقر في وظيفته .. لم يُعاقب .. لم يُفصل من عمله .. لم يُنقل إلي عمل بعيد تأديباً له ..لم يُجازي ولو بخصم يوم من راتبه !! أما المعلمون الذين يرتقون للدرجة الأولي ، فأغلبهم يهربون من الترقية لمنصب " مدير مدرسة " إلي " مُوجِة مادة " ، كي لا يحمل هموماً كهموم مدير المدرسة .. فمُوجِه المادة ، كثيراً ما يتصل ، بإدارات المدارس في الصباح ، فيوقعون له بدفاتر الزيارات وكأنه حضر عندهم بلا غياب ، وهو في الحقيقة ، ربما نائم في بيته ، مُستلقي علي فراشه الدافئ ، وقلبه مطمئن !! بل إن مُوجِهو المدارس ، إذا ذهبوا للمدارس ، فإنهم يجدون الاستقبال السعيد له من إدارة المدرسة ، إتقاءً لشرور تقاريرهم عن المدرسة وما بها من تقصير .. فيأمر لهم مدير المدرسة بكرم الضيافه بالمشروبات ، حتي يكتبوا نص التقرير الثابت لديهم ، والذي يكتبونه في كل مدرسة يذهبون إليها ، بأن " كل شيئ علي مايرام ، لا مشكلات .. لا سلبيات .. لا تقصير ".. فالنفاق والكذب هما المتحدثان ، عند كل آفاك أثيم ! ويا هل تري ما الداعي لحالة السرور التي تطرب قلوب التلاميذ وقت الإنصراف من المدرسة ، حتي يكادون يقعون ويدهسون بعضهم البعض ، من شدة الجري وسط الزحام .. لأجل الخروج من حجرات الفصول إلي حيث الحرية والمرح ..تراقبهم في حالة فرح وسعادة عظيمين ، يطلقون الصيحات والصرخات إحتفالاً بمغادرة محراب العلم ، الذي يرونه كالسجن .. " هل فعلاً أن أبنائنا يتعلمون بالقوة ؟!!" . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.