لم تكن الحرب القائمة الآن والتى تقع رحاها فى الموصل تحت مسمى "تحرير الموصل" هى الأولى من نوعها فى هذه المنطقة تحديدًا، ولكن دارت حروب كثيرة فيها "منذ الأشوريين" حتى "داعش الآن" والموصل هى مركز محافظة نينوى، شمالي العراق، تحتضن جميع مكونات الشعب العراقي القومية والدينية، إذ يقطنها العرب والكرد والتركمان الذين يعتنقون الديانات الإسلامية والمسيحية والإيزيدية والشبك. والمدينة التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" الإرهابي منذ يونيو 2014، تعد ثاني أكبر مدن العراق من حيث السكان إذ يبلغ تعدادهم قرابة ثلاثة ملايين ونصف مليون نسمة ومعظمهم من العرب المسلمين السنة، بحسب إحصائيات وزارة التخطيط. وتبعد الموصل عن العاصمة بغداد مسافة 405 كم، وتشتهر بالتجارة كونها حلقة وصل بين تركياوسوريا ويتحدث السكان اللهجة الموصلية القريبة من اللهجة الشمالية في سوريا. ويقول أحمد قاسم الجمعة، أستاذ التاريخ في كلية الآداب بجامعة الموصل: إن "مدينة نينوى (مدينة أثرية قديمة قرب الموصل، على الضفة الشرقية لنهر دجلة) ذات تاريخ عريق، يرجع إلى 5000 قبل الميلاد، وقد سكن الآشوريون أجزاء كبيرة منها وأصبحت عاصمة لهم من القرن 11 وإلى 611 قبل الميلاد". ويضيف الجمعة، في حديث للأناضول: "سقطت نينوى العظمى بعد الآشوريين بيد (الميديين) و(الكلدانيين) الذين كانوا في أوج قوتهم وعنفوانهم". وأشار إلى أن نينوى والمناطق المحيطة بها كانت مأهولة بالشعب الآشوري الذى خلف للإنسانية حضارة كبيرة ومشهودة، ولفت إلى أن الآشوريين اعتنقوا المسيحية عند ظهورها، فكانت نينوى بلاد الرهبان والمدارس اللاهوتية واستقطبت العديد من الدارسين والباحثين عن الديانة المسيحية. وذكر أن العرب المسلمين فتحوا نينوى لاحقا ولقبوها باسم "الموصل" لأنها كانت تصل بين الشام وخورستان (بلاد الشمس) بالكردية، التى فتحوها بعد ذلك. كما سماها العرب ب"الحدباء" لأن في أحد أشهر مساجدها منارة منحنية، وأيضًا لتحدب مسار نهر دجلة فيها، وسميت أيضًا ب"أم الربيعين" لأن فصل الخريف فيها يكون ربيعيًا يتميز بنقاء هوائه، بحسب الجمعة. أما جغرافيا فتقع محافظة نينوى في الجزء الشمالي الغربي من العراق، وتحدها من جهة الغرب سوريا، وتبلغ مساحتها 32.308 كم مربع. ويخترق نهر دجلة المحافظة بشكل متموج من الشمال إلى الجنوب ويقسمها إلى قسمين متساويين تقريبًا، وتقسم تضاريس محافظة نينوى إلى ثلاثة أقسام: المنطقة الجبلية، والتلال، والمنطقة المتموجة والهضاب. ويختلف مناخ المحافظة باختلاف تضاريسها السطحية، حيث تتراوح درجات الحرارة في فصل الشتاء عمومًا بين (-5 درجة مئوية إلى +8) وفى الصيف بين (30 درجة إلى 46). ومن أبرز معالم محافظة نينوى جامع "النبى يونس" المبنى فوق كنيسة "القديس يونان" على نفس التلة، والجامع "الكبير"، الذى يضم منارة "الحدباء" التى يزيد ارتفاعها على (52 مترًا) وبنى عام 568 م، وجامع "قبر النبى شيت"، الذى اكتشف عام 1057 ه (1647). كما تضم المحافظة مدينتى نينوى والحضر الأثريتين، وموقع مقدس يسمى ب "لالش النوراني"، في قضاء الشيخان يحج إليه أتباع الديانة الأيزدية. وتقول كتب التاريخ إن الموصل كانت ولاية تتبع الدولة العثمانية لأكثر من أربعة قرون، ما بين 1516-1918. ويوضح فرهاد محمد أحمد، في كتابه "الإدارة العثمانية في الموصل 1516-1918"، أن الأوضاع الإدارية في الموصل لم تكن مستقرة بعد دخولها في الحكم العثماني سنة 1516، بفعل الأحداث السياسية. وأشار أنها أصبحت أول الأمر سنجقا تابعاً لولاية ديار بكر، وبعد سيطرة السلطان سليمان القانوني على العراق سنة 1534، أصبحت الموصل ولاية قائمة بذاتها. ويقول أحمد: "استمرت الموصل كولاية مستقلة في العهد الجليلي (1726-1834)، وأصبحت سنة 1850 سنجقاً تابعاً لولاية بغداد، وعادت لتصبح من جديد حاضرة ولاية سنة 1879 وألحق بها سنجق السليمانية وكركوك، واستمرت كذلك إلى سنة 1918". وعندما دخلت الإمبراطورية العثمانية الحرب العالمية الأولى بين عامى (1914-1918) إلى جانب ألمانيا، وخسرت الحرب، وقَّعت كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية اتفاقية سرية عرفت باسم "سايكس بيكو"، في 16 مايو عام 1916، تضمنت تقسيم الممتلكات العثمانية بما فيها ولاية الموصل التي باتت والإقليم الكردي ضمن خارطة العراق. وفي ثمانينيات القرن الماضي، خلال حكم الرئيس الراحل صدام حسين، كانت الموصل تعرف ب"مدينة الضباط المنخرطين في الجيش العراقي"، وكان من بينهم رئيس أركان الجيش آنذاك، عبد الجبار شنشل، ووزير الدفاع الأسبق سلطان هاشم أحمد. وبعد غزو العراق في العام 2003، وقيام الحاكم العسكري الأمريكي، آنذاك، بول بريمر، بحل الجيش العراقي انضم الآلاف من الضباط العراقيين إلى صفوف المقاومة لقتال القوات الأمريكية داخل الموصل، قبل أن يتمكن تنظيم "القاعدة" من السيطرة على هذه المقاومة وتحويلها لصفوفه. وكانت الموصل من أخطر المحافظات على القوات الأمريكية، حيث وجدت فيها مقاومة شرسة من قبل تنظيمات مسلحة تشكلت بعد حل الجيش العراقي. وبعد العام 2003، عانت الموصل من الطائفية وإهمال الحكومة العراقية لها وكان الوضع الأمني فيها هشا، إلى أن سقطت المدينة بسهولة تحت سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي في 10 يونيو2014، بعد انسحاب الجيش العراقي والشرطة منها. ومنذ مايو الماضي، تدفع الحكومة العراقية بحشود عسكرية قرب الموصل التي يسيطر عليها "داعش" منذ يونيو2014، في إطار خطة لاستعادة السيطرة عليها من التنظيم الإرهابي. وخلال الأيام الأخيرة، أعلن الجيش العراقي أكثر من مرة أنه بانتظار ساعة الصفر لإطلاق عملية تحرير المدينة من التنظيم، ويقول إنه سيستعيدها قبل حلول نهاية العام الحالي.