منذ لحظة سقوط النظام الحاكم فى مصر، بات المشهد السياسى يظهر ثلاث قوى متميزة، أصبحت تمثل العناصر المشكلة للمشهد السياسى فى المرحلة الانتقالية، وبين هذه القوى الثلاث تقف الدولة ممثلة فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بوصفه المؤسسة الأكثر تماسكًا وفاعلية فى الدولة، والمسئولة عن إدارة المرحلة الانتقالية. والقوة الأولى تتمثل فى التيار الإسلامى، الذى فهم أن الثورة أعادة الشرعية السياسية للشعب، فأصبحت الإرادة الشعبية هى مصدر السلطات، وهى بالتالى صاحبة الحق فى تحديد مسار المرحلة الانتقالية، وشكل النظام السياسى الجديد، لذلك ساند التيار الإسلامى خريطة الطريق التى تعتمد على نقل السلطة من خلال انتخابات نزيهة وحرة. أما القوة الثانية، فتمثلت فى التيار العلمانى، الذى رأى أن الثورة تعطى شرعية ثورية لمن يستطيع قيادتها، أو يستطيع تصدر مشهدها، فيصبح له شرعية أن يختار مسار المرحلة الانتقالية، ويحدد شكل النظام السياسى الجديد، من دون أى مشاركة شعبية أو انتخابات، بحيث تبدأ مرحلة الانتخابات بعد تحديد النظام السياسى الجديد، ووضع الدستور الجديد، وتجرى الانتخابات بعد ذلك فى ضوء ما تحدد من نظام سياسى. وكانت مشكلة هذا الطرح تتمثل فى تحديد من يمثل طليعة الثورة أو قيادتها، أو من ينوب عن الشعب من دون توكيل من الشعب فى تحديد النظام السياسى الجديد ومسار المرحلة الانتقالية. وكان من الواضح أن النخب العلمانية السياسية والشبابية، تريد أن تدار المرحلة الانتقالية من خلال النخبة، وبمشاركة نخب كل التيارات، وكانت ترى أن النخب العلمانية تمثل نخبة المجتمع الفعلية وربما أيضًا نخبة الثورة. وكان تصور النخب العلمانية يقوم على أن أى تمثيل للقوى السياسية لا يجب أن يقوم على وزنها النسبى فى الشارع، بل على وزنها النسبى داخل طبقة النخبة، خاصة النخبة الإعلامية. وهو ما يعنى فى النهاية أن النخبة العلمانية أرادت أن تبنى هى النظام السياسى الجديد، وتحدد مسار المرحلة الانتقالية. بقت القوة الثالثة، وهى الطبقة الحاكمة للنظام السابق، والتى أرادت حماية مصالحها وتأكيد وضعها فى أى نظام سياسى جديد، حتى تبقى طرفًا مهمًا فى أى عملية سياسية مستقبلية. وبناء على هذه المواقف، كان التيار الإسلامى يضغط بشكل مستمر من أجل تسليم السلطة لسلطة مدنية منتخبة، بحيث تتولى السلطة المنتخبة إدارة عملية وضع الدستور الجديد، وتصبح الإرادة الشعبية صاحبة الحق الوحيد فى تحديد مسار المرحلة الانتقالية. فى حين أن التيار العلمانى ضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى الاتجاه المضاد، بحيث يتم التحكم فى مسار المرحلة الانتقالية وفى شكل النظام السياسى الجديد بعيدًا عن الإرادة الشعبية الحرة، ومن خلال النخبة العلمانية أساسًا، لذلك عملت المجموعات الشبابية العلمانية على وقف مسار الانتخابات بكل السبل. أما بقايا النظام السابق فكان ضغطهم المستمر فى اتجاه نشر سيناريو الفوضى من أجل منع أى محاولة تؤدى إلى إقصائهم من المشهد السياسى.