تذكرت الشيخ الغزالى رحمه الله الذى كان دائمًا ينعى على "أصدقاء الإسلام..." الذين يسيئون إليه، عندما رأيت النائب ممدوح إسماعيل المحامى، يرفع الأذان فى جلسة من جلسات مجلس الشعب، وليته وقف عند هذا الحد مبررًا ذلك بحسن نيته، بل راح يبرر بادعاءات فقهية ينقضها الفهم الصحيح للإسلام، والفقه البصير به، وذلك بعد توضيح الشيخ سيد عسكر أنه يجوز الجمع فى بعض حالات ينشغل الإنسان لضرورة، فيدعى أنه لا يوجد إلا حالة المطر والمرض فقط!! وهنا وقفات مع الأستاذ ممدوح إسماعيل فى موقفه، وأرجو أن يراجع نفسه فى هذا الموقف الغريب المريب، الذى لا ينطلق من صحيح دين، ولا من بصيرة بواقع. أولا: مع احترامى لنية النائب المؤذن، والتى ينطلق من أنه لا يجوز تأخير الأذان والصلاة لحساب جلسات مجلس الشعب، فالسيد النائب ممدوح إسماعيل محامٍ، فهل يا ترى وهو يترافع عن متهم أمام أحد القضاة داخل أروقة المحاكم، وعندما يحين وقت الآذان يترك المرافعة عن المتهم الذى يترافع عنه، ويقطع مرافعته، أو يقاطع القاضى، أو زميله المحامى الذى يترافع ضد موكله، ليؤذن للصلاة؟! لو كان يفعلها فمعنى ذلك أنه رجل فعلا صاحب مبدأ لا يتجزأ، ونحن عموما لم نسمع عن محامٍ فعلها من قبل لا هو ولا غيره، وإن كان لا يفعلها فمعناها أنه بدأها بمجلس الشعب، ونحن ننتظر من سعادته أن يقوم بها فى المحاكم، وإن لم يفعلها خارج مجلس الشعب، فمعنى ذلك أننا أمام نموذج مستهتر بالمجلس، يشغب على قوانينه، ويهزل فى موضع الجد. ثانيا: اتضح فى موقف النائب ودفاعه عن نفسه، عدة أخطاء تدل على عدم وقوفه على الفقه الإسلامى، ورؤيته للأذان وحكمه شرعًا، وللصلاة على وقتها، وعلى فقه الجمع والقصر بين الصلوات، وليته رجع لأى كتاب يباع فى أى كشك من أكشاك كتب الأزبكية، أو أى كتاب فى رف من أرفف مكتبات أصغر زاوية يصلى فيها سعادة النائب، واطلع على هذه الأمور لأراحنا وأراح الناس من فقه أعرج انطلق منه، فالمعركة التى أقامها النائب على الأذان الذى اختلف الفقهاء فى حكمه بين من قال بأنه واجب، ومن قال: إنه مندوب، وهو الراجح، فأقام معركة لأجل مندوب؟!!! ثم اتضح عدم فقهه لقوله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)، والصلاة لوقتها، فما توقيت الصلاة يا سيادة النائب؟ لو رجعت لكتب الفقه لعلمت أن الصلاة لها توقيت: فهناك وقت الاختيار، وهو وقت يمتد من دخول وقت الصلاة، إلى مدة طويل قبل الفرض الآخر، ثم وقت كراهة وهو الاقتراب من الفرض التالى بوقت معين، ثم وقت تحريم وهو ما الوقت الذى لو قام المصلى للصلاة لضاع عليه الوقت ودخل عليه الوقت الآخر، إن لم يكن بعذر. ثم اتضح مجادلته بغير علم فى مسألة جمع الصلاة وقصرها، والتى حصرها حسب تصريحه على (المصريون) وغيرها من المواقع، بأنه ليس هناك جمع للصلاة وقصر إلا فى المطر والمرض فقط، ونسى السفر، ولغير السفر والمرض كذلك يجوز الجمع بين الصلوات، لانشغال فى أمر مهم، وهو منطوق حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فى غير سفر ولا مطر، فلما سُئل عن علة ذلك عبد الله بن عباس قال: أراد صلى الله عليه وسلم ألا يحرج أمته. وزاد من الطين بلة سعادة النائب فتعلل بأن نسبة أعضاء مجلس الشعب من القاهرة والجيزة خمسة فى المائة، والباقى من محافظات بعيدة جدا، فكيف يتمكن الأعضاء من الصلاة، بينما بعد المسافة هذه والتى تصل فى كثير من محافظات مصر إلى مسافة القصر، تعطيهم رخصة بالجمع بين الصلوات سواء جمع تقديم أو جمع تأخير، بلا أى حرج شرعى، بل اختلف الأصوليون هل الأخذ بالرخص هنا: واجب أو سنة. انطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه". ثالثا: يا أستاذ ممدوح: رفع الأذان سنة، فلماذا لا يقيم الأستاذ ممدوح إسماعيل ومن ينصره فى رأيه الفرض، والفرض هنا: أن يأتى بحق الشهداء، والمصابين، وأن يقول للظالم المعروف جدا بظلمه: أنت ظالم، ويقف لمنع ظلمه، وقتها أنا أول من يقبل رأسه ويده وقدمه. هو وكل من يقوم بهذا الفعل. لأن الإسلام لا ينتصر بأشكال نؤديها، الإسلام ينتصر بدولة العدل ومقاومة الظلم، وهو ما قام الناس بانتخابك لأجله. رابعًا: النية الحسنة لا تبرر العمل الطائش، فكل عمل ينبغى أن نراعى فيه فقه الأولويات وفقه الموازنات، هل قيامك بالأذان فى المجلس، يحقق مصلحة، إن كانت هناك ضرورة شرعية لذلك، وما المفسدة المترتبة على ذلك؟ خاصة أن هناك مسجدًا فى المجلس قريب من موضع الجلسة، فإلى متى سنظل نرى معارك تدل على المراهقة السياسية من مثل ما رأيناه من مزايدة فى الجلسة الأولى، بين من زايد باسم الشريعة، ليقول عن القسم (وأن أحترم القانون والدستور ما لم يخالف شرع الله)، وبين من زايد باسم الشهداء، فقام يزيد من عنده أيضا. إلى متى نظل ننطلق من السفاسف، ونترك معالى الأمور، أعتقد أن على الإسلاميين فى مجلس الشعب وهم أغلبية، والأعين مفتحة عليهم، أن يكون عندهم بصيرة بدينهم قوية، وتبصر بواقعهم لا يقل قوة عن فهمهم لدينهم، وأن نراعى الصورة التى سيوضع فيها التصرف الذى نقوم به، إن سيدنا خبيب فى قصة (بئر معونة) حينما أسره الكفار، وطلب أن يصلى ركعتين قبل قتله، بعد أن انتهى قال: والله إنى رغبت أن أطيل فيهما، ولكنى خشيت أن تقولوا عنى: خاف الموت. أى أنه راعى ألا يقال عن مسلم يخشى الموت، فأطال فى الصلاة، وهو أمر محبب له ولكل مسلم يقف بين يدى الله. يا سادة: رفقًا بالإسلام الذى تمثلونه، واختاركم الناس حبًا لما تتمسكون به من هذا الدين العظيم، فلا تكونوا كالدبة التى قتلت صاحبها، أو كما أطلق عليهم شيخنا الغزالى رحمه الله: أصدقاء الإسلام الجهلة. [email protected]