منظمة العفو الدولية: ما بين 4 إلى 5 أشخاص يختفون يوميًا.. نجل عقيد بالجيش آخر ضحايا الاختفاء بظروف غامضة.. وطلاب مصر يتصدرون المشهد سياسي: تجاوزات الأمن فاقت عهد مبارك.. الخارجية: التعذيب غير قانوني.. وتتم مقاضاة الحالات التي يثبت ارتكابها للجُرم
أينما كنت وأيًا كانت مهنتك سيكون مصيرك الاختفاء القسري، هناك تتوزع التهم لكل فئة وفقًا للنوع ليتهم الطفل ببراءته.. والصحفي بحيازته للكاميرا.. والمحامى لروبه الأسود، في النهاية كل الطرق تؤدى إلى هناك.. ذلك المكان الموحش الذي نفقد فيه الإحساس بالوقت والأيام، بعربة ملاكي خاصة ولمكان مجهول يساق ضحايا الاختفاء القسري لمصير غير معلوم، منهم مَن يلقى عقوبته بالتعذيب المستمر للموت ومنهم مَن يحكم عليه بالسجن مدى الحياة، ليبقى رواد الاختفاء القسري خلف أسوار بأحكام غير قانونية من صنع البشر، والغريب في الأمر أن تكون الضحية الجديدة نجل عقيد بالجيش، وهو الأمر الذي زاد التساؤلات حول الناجي الوحيد من كابوس الاختفاء القسري لتبقى الحصيلة النهائية من طفل لعقيد. وترصد «المصريون » أبرز حالات الاختفاء القسري في الفترة الأخيرة: نجل عقيد سابق بالجيش يختفي قسريًا "لو يردوا عليا يقولولى ابنك مات هرتاح".. هكذا استهل عبد القوى محمد مرسي أبوحجر، العقيد السابق بالجيش، كلامه قائلاً: ابني "إبراهيم" طبيب امتياز بجامعة عين شمس يبلغ من العمر 26 عامًا اختفى قسريًا منذ 55 يومًا، خرج من المنزل ذاهبًا إلى عمله ومنذ ذلك اليوم لم يعد وعندما سألنا عنه في عمله كان الرد أنه لم يأت في هذا اليوم". ولم يجد العقيد بدًا من أن يتقدم ببلاغ يطالب فيه بالبحث عن ابنه، فتوجه لقسم مدينة نصر وهناك أخذوا يماطلون في الرد عليه وطالبوه بأن يأتي لعمل محضر في وقت آخر ولمدة 10 أيام لم يجد ردًا من قسم مدينة نصر الذين رفضوا عمل محضر باختفاء نجله، واستطرد: طرقت كل الأبواب حيث خاطبت النائب العام ووزير العدل ووزير الداخلية حتى مراكز حقوق الإنسان دون جدوى". ربما يأس الأب من أن تمتد إليه يد العون من كل الجهات ولم يجد جدوى من العودة إلى نيابة شرق الذين قدموا له خطابًا موجهًا لنيابة مدينة نصر لعمل محضر له، وهناك كانت المفاجئة حيث رد أحد أمناء الشرطة على الأب ابنك كويس وبخير واتفضل ورفضوا بعد ذلك عمل محضر بالواقعة. وتوجهت النيابة للأب بسؤال قائلاً: "ابنك كان بيروح رابعة وعندما أجبت بالنفي كان الرد يبقى ابنك زعلان منك وخرج ومرجعش". أسئلة ربما أربكت وضع الأب وزادت من خوفه على ابنه، الذي أخذ يردد أن نجله لم يكن له أي نشاط سياسي وإلا كان تم القبض عليه من البداية، واستغاث الأب طالبًا الرد الذي طال انتظاره حول مكان ابنه وحالته قائلاً: "لو يردوا حتى ويقولوا مات هرتاح". طفل ال14 يعانى ويلات التعذيب رغم أن عمره 14 عامًا لم يرحموا صغر سنه شاهدت جروحًا بليغة إثر الصدمة الكهربائية على شفتيه ورأسه وذراعيه وصدره، علقوه من معصميه لمدة يوم كامل حتى خُلع ذراعيه هكذا وصفت شقيقة آسر محمد، حالته ومعاناته الجسدية والعقلية، عقب زعمها اختفاءه قسريًا عقب إلقاء القبض عليه دون أمر قضائي وفقًا لما ذكرته منظمة العفو الدولية. وقالت شقيقة آسر: إن شقيقها أٌخذ أسيرًا في المقام الأول من قبل ضباط شرطة قالو إنهم سيستجوبونه لبضع ساعات، وأخبر عائلته إنهم لم يتمكنوا من الاتصال به أو تلقوا أي أخبار عنه منذ 34 يومًا من اعتقاله، وهي فترة "غاب" فيها عن أول ظهور مقرر له أمام قاض، ولا يزال آسر محبوسًا حتى اليوم، في انتظار يوم أُجل في المحكمة. بعربة ملاكي ومكان غير معلوم يذهب ضحايا الاختفاء القسري وفي مطلع شهر مايو، اختطفت قوات الأمن الوطني بزي مدني المحامي "محمد لطفي توفيق عبد الغني – 40 عامًا" من أمام منزله الكائن في قرية جزيرة شارونة بمركز المغاغة بمحافظة المنيا المصرية وفقًا لما ذكرته منظمة هيومن رايتس في تقريرها النصف سنوي، وقد أكدت الأسرة وجيرانه بالشارع أن رجال من الأمن الوطني قاموا بسحب المحامي في عربة ملاكي واقتادوه إلى مكان غير معلوم، فيما يؤثر اختطاف المواطن أولاده الثمانية وزوجته إذ أنه العائل الوحيد للأسرة التي وجهت عدة شكاوى لجهات رسمية لم تحرك ساكنًا تجاهها. صحفي مختفٍ والتهمة حيازة كاميرا دائمًا ما تضع الأحداث النشطاء السياسيين والصحفيين في وجه المدفع؛ حيث لم يكن الصحفيون بمنأى عن هذه الظاهرة، حيث اختطفت قوات الأمن وفقًا لتقرير هيومن رايتس، المصور الصحفي "إسلام جمعة عبدالهادي الدسوقي – 28 عامًا" من منزله الموجود بمنطقة فيصل بالجيزة في 23 من أبريل للعام الجاري أمام طفليه وزوجته، كما تم التعدي عليه بالضرب المبرح إبان اعتقاله، وذلك دون قرارٍ رسمي صادرٍ من أي جهة قضائية بالاعتقال، فيما لم تتوصل زوجته أو محاميه من مكان احتجازه منذ ذلك اليوم، وقاموا بتقديم عدة شكاوى للنائب العام والمحامي العام المصري، دونما يتم إجلاء مصيره حتى الآن، ما يدعو لقلق المنظمة إذ أن المصور مريض بالكلى والضغط العالي، كما أنه أجرى عملية بالقلب من فترة ما يتطلب ظروفًا صحية مناسبة. طلاب مصر يدفعون فاتورة الاختفاء القسري وحظى الطلاب بنصيب الأسد من هذه الظاهرة، حيث شهد أول مايو اختفاء "محمد طلبة عبدالشافي سلامة – 22 عامًا"، طالب كلية الهندسة، عقب اعتقاله من محل عمله بمحافظة كفر الشيخ الذي يزاوله بجانب دراسته من قبل رجال الشرطة، ولم تتبين الأسرة من مكانه، حتى عرضه على نيابة دسوق في 16 من نفس الشهر وإخلاء سبيله بكفالة مالية. واختطف الطالب بالفرقة الثالثة كلية الهندسة بجامعة المنصورة "محمد فتحي عميش – 22 عامًا" من المدينة الجامعية، وتبين وفقًا لتقرير منظمة هيومن رايتس من خلال شهادات أصدقائه أن عددًا من أفراد الشرطة بزيهم الرسمي قاموا باقتحام المدينة الجامعية لجامعة المنصورة ومن ثم اختطاف الطالب والاعتداء عليه بالضرب المبرح واقتياده إلى جهة غير معلومة. ولم تقف الأسرة صامتة عما حدث لابنها؛ حيث قدمت شكاوى عدة إلى النائب العام والمحامي العام وكذلك وزيري الداخلية والعدل بالحكومة المصرية، الذين لم يبالوا جميعًا بتلك الشكاوى أو الجريمة المرتكبة من قبل الأجهزة الأمنية، وأشارت الأسرة إلى أن أحد مخبري الشرطة أبلغهم أن الطالب موجود بقسم أول المنصورة، فيما ينكر القسم وجوده ويرفض محاولات الأسرة والمحامي للاطمئنان عليه. ولم تقتصر حالات الاختفاء بين الطلاب على هاتين الحالتين، حيث اختُطف الطالب "سلام سيد علي عبدالقوي – 19 عامًا"، طالب الصف الثالث بالمرحلة الثانوية التجارية، بواسطة المخبرين والشرطة المتواجدين بقاعة المحكمة التي تنظر فيها قضية شقيقه المعتقل في إحدى المؤسسات العقابية بمدينة شبرا الخيمة بالقليوبية، وذكرت والدته أن ابنها سلام اختطف أمام عينها أثناء تصويره لشقيقه في جلسة المحاكمة بتاريخ 5\5\2015 فيما لم تتمكن من معرفة مكان احتجازه، وأكدت أن أنباءً وردتها بشأن اقتياده لقسم أول شبرا الخيمة تلاها ترحيله لمكان مجهول ولم يتسنوا من معرفة مصيره حتى اللحظة، مشيرةً إلى إصابته بحساسية صدرية. وحرمت كذلك الطالبة "رانيا عادل الخطيب – 22عامًا" من حريتها ، كما حرمت أسرتها من معرفة مكانها أو التوصل إلى مصيرها، حيث اختطفت مع الطالب سلام من المحكمة، حيث كانت برفقته لزيارة شقيقه، فيما أكدت أسرتها عن ذعرها وشديد قلقها عن مصير ابنتهم الطالبة بالفرقة الثالثة بكلية الدراسات الإسلامية، والتي اقتيدت مع زميلها إلى قسم أول شبرا الخيمة قبل ترحيلهم إلى مكان غير معلوم. العفو الدولية: ما بين 4 إلى 5 أشخاص يختفون يوميًا وفى يوليو من هذا العام، أصدرت منظمة العفو الدولية، تقريرًا مكونًا من 71 صفحة بعنوان "مصر رسميًا.. أنت غير موجود.. اختطاف وتعذيب باسم مكافحة الإرهاب"، تتهم فيه السلطات المصرية بانتهاكات حقوق الإنسان والاعتقال التعسفي والاختفاء القصري. وتقول المنظمة في تقريرها إن نشطاء يقولون إن السلطات تعتقل أشخاصًا دون السماح لهم بالاتصال بعائلاتهم أو محاميهم، وبمعزل عن العالم الخارجي دون توجيه اتهامات رسمية أو محاكمة، والذي يلقبونه ب"الاختفاء القسري"، وأنه خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2016 وحدها، وُثق وقوع 630 حالة من "الاختفاء القسري" التي كان يُشتبه بحدوثها. ووفقًا للمنظمة، يبلغ ذلك متوسطًا من "اختفاء" أربعة أو خمسة أشخاص كل يوم منذ عام 2015. ويصف التقرير روايات عن التعذيب الذي تتهم المنظمة عناصر سلطات الدولة بارتكابه، إذ يقول بعض الضحايا إنهم تعرضوا للصعق بالكهرباء وعصب أعينهم والضرب والتعليق من أذرعهم وسيقانهم والاعتداء الجنسي بما في ذلك الاغتصاب، وبعض ذلك خضع له أطفال لا تتجاوز أعمارهم 14 سنة، حسبما يزعم التقرير. الخارجية: التعذيب غير قانوني ومن جانبه، قال أحمد أبو زيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، لشبكة CNN، إن التعذيب غير قانوني في مصر وتتم مقاضاة جميع الحالات المشتبه بوقوع تعذيب فيها، متابعًا أنه تم تشكيل لجنة للتحقيق في مزاعم الاختفاء القسري، وأن "النيابة العامة تحقق في جميع هذه الادعاءات، وتتخذ الإجراءات القانونية المناسبة في كل حالة لضمان تطبيق القانون، وأن المذنبين بارتكاب انتهاكات سيتعرضون للمساءلة." خبير: الدولة المسئولة عن المختفين قال عمرو هاشم ربيع، الباحث السياسي، إن تجاوزات الأمن قد فاقت الحدود من 30 يونيو إلى وقتنا الحالي إلى الحد الذي فاق عهد مبارك، منوهًا إلى عدم إمكانية التوصل لدليل يثبت أن الاختفاء القسري أحد بنود هذه التجاوزات. وأشار ربيع، في تصريحات ل"المصريون "، إلى أن الدولة عادة ما تنكر علاقتها بهذه الحالات، لافتًا إلى أنه إذا سلمنا بعدم وجود مسئولية مباشرة للدولة بهذه الوقائع لا يمكن أن نسلم بعدم مسئولية الدولة عنه حماية مواطنيها من هذه الظاهرة، فعلى الدولة أن تضع القوانين الكفيلة بحماية مواطنيها إذا وضعنا في الاعتبار عدم مسئوليتها المباشرة عن هذه الجريمة.