مرت أمس الذكرى ال"18 على وفاة الشيخ محمد متولى الشعراوى الذى قام بتفسير القرآن الكريم وكان رمزًا للدعاة المعتدلين والوسطيين والذي اجتمع على حبه كل المسلمين في شتى أنحاء العالم وعشقه جميع المصريين، بما له من أسلوب جذاب في تفسير القرآن، ووصفه الكثير من العلماء بأنه مجدد الدين لهذه الأمة. نشأته.. ولد الشيخ محمد متولى الشعراوى فى 15 أبريل عام 1911م بقرية دقادوس مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية بمصر، وحفظ القرآن الكريم فى الحادية عشرة من عمره، فى عام 1922 م التحق بمعهد الزقازيق الابتدائى الأزهري، وأظهر نبوغا منذ الصغر فى حفظه للشعر والمأثور من القول والحكم، ثم حصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية سنة 1923م، ودخل المعهد الثانوي، وزاد اهتمامه بالشعر والأدب.
حظى الشيخ الشعراوى بمكانة خاصة بين زملائه، فاختاروه رئيسا لاتحاد الطلبة، ورئيسا لجمعية الأدباء بالزقازيق، وكان معه فى ذلك الوقت الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي، والشاعر طاهر أبو فاشا، والأستاذ خالد محمد خالد والدكتور أحمد هيكل والدكتور حسن جاد، وكانوا يعرضون عليه ما يكتبون.
وكانت نقطة تحول فى حياة الشيخ الشعراوي، عندما أراد والده إلحاقه بالأزهر الشريف بالقاهرة، وكان الشيخ الشعراوى يود أن يبقى مع إخوته لزراعة الأرض، ولكن إصرار الوالد دفعه لاصطحابه إلى القاهرة، ودفع المصروفات وتجهيز المكان للسكن. فما كان منه إلا أن اشترط على والده أن يشترى له كميات من أمهات الكتب في التراث واللغة وعلوم القرآن والتفاسير وكتب الحديث النبوي الشريف، كنوع من التعجيز حتى يرضى والده بعودته إلى القرية، لكن والده فطن إلى تلك الحيلة، واشترى له كل ما طلب قائلاً له: أنا أعلم يا بني أن جميع هذه الكتب ليست مقررة عليك، ولكنى آثرت شراءها لتزويدك بها كي تنهل من العلم.
التحق الشيخ الشعراوى بكلية اللغة العربية سنة 1937م، وانشغل بالحركة الوطنية والحركة الأزهرية، وثورة سنة 1919م التى اندلعت من الأزهر الشريف، ومن الأزهر خرجت المنشورات التى تعبر عن سخط المصريين ضد الإنجليز المحتلين، ولم يكن معهد الزقازيق بعيدًا عن قلعة الأزهر فى القاهرة، فكان يتوجه وزملاؤه إلى ساحات الأزهر وأروقته، ويلقى بالخطب ما عرضه للاعتقال أكثر من مرة، وكان وقتها رئيسا لاتحاد الطلبة سنة 1934م. تتدرج الشيخ الشعراوى فى عدد من الوظائف بعد أن تخرج عام 1940 م، وحصل على العالمية مع إجازة التدريس عام 1943م، وبعد تخرجه عين الشيخ الشعراوى فى المعهد الدينى بطنطا، ثم انتقل بعد ذلك إلى المعهد الدينى بالزقازيق ثم المعهد الدينى بالإسكندرية وبعد فترة خبرة طويلة انتقل الشيخ الشعراوى إلى العمل فى السعودية عام 1950 ليعمل أستاذ للشريعة فى جامعة أم القرى.
درس الشيخ الشعراوى مادة العقائد رغم تخصصه فى اللغة وهذا كان يشكل صعوبة كبيرة إلا أن الشيخ الشعراوى استطاع أن يثبت تفوقه فى تدريس هذه المادة لدرجة كبيرة لاقت استحسان وتقدير الجميع، وفى عام 1963 حدث الخلاف بين الرئيس جمال عبد الناصر وبين الملك سعود،وعلى إثر ذلك منع الرئيس جمال عبد الناصر الشيخ الشعراوى من العودة مرة أخرى إلى السعودية. كما عين الشيخ الشعراوى مديرًا لمكتب شيخ الأزهر الشريف الشيخ حسن مأمون، ثم سافر بعد ذلك الشيخ الشعراوى إلى الجزائر رئيس لبعثة الأزهر هناك ومكث بالجزائر حوالى سبع سنوات قضاها فى التدريس وأثناء وجوده فى الجزائر حدثت نكسة يونيو 1967، وقد سجد الشعراوى شكرًا لأقسى الهزائم العسكرية التى منيت بها مصر -وبرر ذلك فى برنامج من" الألف إلى الياء" بقوله “إن مصر لم تنتصر وهى فى أحضان الشيوعية فلم يفتن المصريون فى دينهم” وحين عاد الشيخ الشعراوى إلى القاهرة عين مديرًا لأوقاف محافظة الغربية فترة، ثم وكيلاً للدعوة والفكر، ثم وكيلاً للأزهر ثم عاد ثانية إلى السعودية، حيث قام بالتدريس فى جامعة الملك عبد العزيز. اختار ممدوح سالم رئيس الوزراء آنذاك أعضاء وزارته فى نوفمبر 1976م واسند للشيخ الشعراوى وزارة الأوقاف وشئون الأزهر، فظل الشعراوى فى الوزارة حتى أكتوبر عام 1978م،كان الشيخ الشعراوى اول من اصدر قرار وزارى بإنشاء أول بنك إسلامى فى مصر وهو بنك فيصل حيث إن هذا من اختصاصات وزير الاقتصاد أو المالية (د. حامد السايح فى هذه الفترة)، الذى فوضه، ووافقه مجلس الشعب على ذلك. كان لفضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوي، مواقف كثيرة مع رؤساء مصر وكانت تربطه علاقات كبيرة بهم، كما كان له العديد من المواقف معهم منها ما هو خاص بالدين وخاص السياسة حيث كان لا يخشى فى الله لومه لائم فى قول رأيه حتى وإنه خالفه الآخرون. كان الرئيس الأسبق "محمد نجيب" على صلة دائمة بالشيخ "الشعراوي"، وكان دائم التردد عليه فى منفاه الإجبارى ب"المرج" الذى فرضه عليه مجلس قيادة ثورة مصر بعد عام 1954 حتى فى مرضه كان الشعراوى هو الشخص الوحيد الذى يزوره. سجد شكرا بعد نكسه 67 أما الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" فقد كان للشعراوى معه بعض المواقف، فبينما كان الناس فى مصر فى شبه مأتم وقلوبهم دامية وعيونهم باكية فى ذلة وانكسار بسبب انتصار اليهود على مصر فى هزيمة يونيو 1967م؛ سجد الشيخ "الشعراوي" شكرا على الهزيمة التى رأى أنها جاءت لتصويب الأخطاء التى ارتكبها "عبد الناصر" ومن معه!! إلا أن الكثيرين عاتبوه على هذا الفعل، فمن مات على يد الإسرائيليين هم مصريون، ومن هزمت هى بلده مصر. وفى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات كان الشيخ الشعراوى وزيرًا للأوقاف وقتها، وقد جرت بينهما العديد من المشاحنات التى بدأتها السيدة جيهان السادات، حينما دعت الشعراوى لإلقاء محاضرة على مجموعة من سيدات الروتارى فى مصر الجديدة، فاشترط عليها أن يكن جميعهن محجبات،ووافقت السيدة جيهان على طلب الشيخ الشعراوي، ولكنه حين ذهب وجدهن غير ذلك، فغادر القاعة وعليه علامات الغضب وكان هذا بداية الخلاف بين الشعراوى والسادات. ولكن السادات كان له موقف آخر خاص بالشعراوى حيث أنه رفض طلب بعض المسئولين الإسرائيليين حول منع الشعراوى من الحديث فى التليفزيون، لأنه كان يتحدث عن آيات الجهاد بشكل مفصل، وهو أمر أثار حساسية لكن السادات لم يقم بتنفيذه. كما كان للشيخ الشعراوى بعض المواقف مع الرئيس الأسبق مبارك وكانت من أقوى وأشهر المواقف للشعراوى مع رؤساء مصر، ويعد من أشهر لقاءات الشعراوى مع مبارك بعد نجاته من حادث الاغتيال فى "أديس ابابا" عام 1995 وقوله الشهير الذى ظل عالقا بأذهان المصريين"يا سيادة الرئيس؛ إنى أقف على عتبة دنياي، مستقبِلاً آخرتي، ومنتظرا قضاء الله؛ فلن أختم حياتى بنفاق، ولن أبرز عنتريتى باجتراء"ولكنى أقول كلمة موجزة للأمة كلها، حكومة وحزبا، معارضة ورجالا وشعبا – آسف أن يكون سلبيا– أريد منهم أن يعلموا أن الملك بيد الله، يؤتيه من يشاء، فلا تآمر لأخذه، ولا كيد للوصول إليه. فالملك حين ينزله الله، فإنه يؤتى الملك لمن يشاء، فلا تآمر على الله لملك، ولا كيد لله فى حكم، لأنه لن يحكم أحد فى ملك الله إلا بمراد الله، فإن كان عادلاً فقد نفع بعدله، وإن كان جائراً ظالماً، بشّع الظلم وقبّحه فى نفوس كل الناس، فيكرهون كل ظالم ولو لم يكن حاكماً. ولذلك أقول للقوم جميعا، إننا والحمد لله قد تأكد لنا صدق الله فى كلامه، بما جاء من الأحداث، فكيف كنا نفكر فى قول الله: "ويمكرون ويمكر الله"، وكيف كنا نفسر: "إنهم يكيدون كيداً ونكيد كيداً"؟
الله يريد أن يثبت قيّوميته على خلقه. فأنا أنصح كل من يجول برأسه أن يكون حاكماً، أنصحه بألا تطلبه، بل يجب أن تُطلب له، فإن رسول الله صل الله وعليه وسلم قال: "من طُلب إلى شيء، أُعِين عليه، ومن طَلب شيئاً وُكّل إليه،وفى النهاية قال مقولته الشهيرة"إذا كنت قدرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدرك فليعنك الله علينا منح الإمام الشعراوى وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى لمناسبة بلوغه سن التقاعد فى 15/4/1976 م قبل تعيينه وزيراً للأوقاف وشئون الأزهر،منح وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1983م وعام 1988م، ووسام فى يوم الدعاة،كما حصل على الدكتوراه الفخرية فى الآداب من جامعتى المنصورة والمنوفية.