أحرص على مطالعة زاوية «تخاريف»، التى يتناول فيها الأستاذ جلال عامر موضوعات شديدة الأهمية ولكن بطريقته الساخرة وأسلوبه الفريد الذى ينم عن موهبة كتابية شديدة التميز، بصرف النظر عن مدى اتفاقنا أو اختلافنا معه، لذا لم أستطع أن أخفى دهشتى وقلقى حين تبين لى أنه خصّنى بمقال يحمل عنوان: «عتاب للدكتور حسن نافعة» (المصرى اليوم: 21/6). سارعت بقراءة حيثيات العتاب ومبرراته فتبين لى أنه أراد أن يتخذ منى تكأة لشن هجوم حاد على جماعة الإخوان وشكك فى وطنيتها، لأنها تعتبر «الوطنية وثنية»، وليس لديها مانع من «أن يحكم مصر حاكم من باكستان أو من ماليزيا»، واتهمها «بمحاربة جيش مصر العظيم ذاته فى الغربة مع قوات البدر بن أحمد بدعم سعودى فى اليمن». وساءلت نفسى: ما دخلى أنا يا عم جلال بتصفية حساباتك مع الإخوان؟ رد كاتبنا موجهاً كلامه إلىّ مباشرة: «فهل يرضيك، أن نشيل (لجنة السياسات) ونضع (مكتب الإرشاد) لمجرد أنه بدأ بتحالفه مع الإنجليز وانتهى بتحالفه مع (حسن نافعة) مرورا بالقصر والوفد والحزب الوطنى ذاته»، وأنهى كلامه مترحماً على «الجمعية الوطنية للتغيير». وتقديراً لكاتبنا الساخر الكبير، الذى ترددت كثيراً فى الرد على عتابه، أقول: 1- لا يوجد تحالف بين شخصى الضعيف وجماعة الإخوان، فأنا لست الوفد أو الإنجليز أو الحزب الوطنى، ولا أمثل أى تيار أو جماعة سياسية، وأعتبر نفسى مجرد باحث مستقل يتعين عليه، بحكم دوره كمنسق بين القوى السياسية المشاركة فى الجمعية الوطنية للتغيير، ومن بينها الإخوان، الوقوف على مسافة واحدة من الجميع. 2- مهمة صنع التغيير فى مصر أكبر من أن تضطلع بها أى قوة سياسية منفردة، وتحتاج إلى تضافر جهود كل من يتبنى مطالب الجمعية السبعة، التى تشكل الأرضية المشتركة وتمثل الحد الأدنى المتوافق عليه بين الجميع. واستبعاد الإخوان أو أى قوة أخرى، تحت أى مسمى، يصب فى تأبيد سلطة النظام الحالى. 3- التيار الإسلامى بمختلف فصائله، الذى ينتمى إليه الإخوان، ليس هو التيار الوحيد الذى يتبنى أيديولوجية «فوق وطنية»، فهناك تيارات عديدة تعتبر التضامن «الطبقى» أو «القومى» أو «الطائفى» أو حتى «القبلى» أقوى من التضامن الوطنى. وفى مرحلة من المراحل كان الشيوعيون، بمن فيهم الشيوعيون العرب، يتلقون تعاليمهم من موسكو وليس من أى جهة أخرى، فهل نستبعدهم أيضاً؟ 4- تعرض شعب مصر لأكبر عملية نهب للثروة فى تاريخه، بل وفقد معظم مقومات استقلاله الوطنى فى وقت كان نظام الحكم يرفع فيه شعار «مصر أولاً»، والذى يجسد فى ظاهره ذروة الوطنية. فليس كل من يدعى الوطنية وطنياً بحق. فإذا كان بينى وبينك حقاً اتفاقية لتبادل الآراء، كما تقول أنت، فأرجوك أن تراجع بنودها بدقة لأن بندها الأول يقول: «أرجوك لا تفهمنى خطأ». وفى تقديرى أنه لن يكون بوسع مكتب الإرشاد أن يحكم مصر منفرداً، ولا أظن أنه يسعى لذلك، لكن الذين يحاولون استبعاد الجماعة أو استئصالها أو يستخدمونها فزاعة لتأبيد حكمهم هم الذين يدفعون بمصر دفعا للسقوط يوماً ما ثمرة ناضجة فى حجر الإخوان!.