انتهت انتخابات مجلس الشورى ومرت مرور السحاب، لم يشعر المواطن العادى بها، ولم ينظر إليها بعين الاهتمام، وكأنها ليست شورته إنما شورة بلد آخر. ومجلس الشورى المصرى لمن لا يعرف هو أحد المجلسين النيابيين فى مصر، يطلق عليه المفكرون السياسيون «الغرفة العليا للبرلمان» وهذه التسمية ليست إشارة إلى علو مكانته فوق مكانة مجلس الشعب، ولكنها تبيان لوجود مسافة بينه وبين الجماهير على عكس مجلس الشعب الذى يتميز بالتصاقه وقربه من الناخبين، ومجلس الشورى لمن لا يدرى نشأ نتيجة استفتاء تم إجراؤه عام 1979، منذ قرابة ثلاثين عاماً، وكانت اختصاصاته فى ذلك الوقت اختصاصات استشارية، أقرب ما تكون إلى اختصاصات المجالس القومية المتخصصة. ثم جاءت التعديلات الدستورية عام 2007 لتمنحه اختصاصات تشريعية ورقابية جعلت موافقته لازمة على أى مقترحات بتعديلات دستورية، كما جعلت إقراره القوانين المكملة للدستور وجوبياً، وموافقته على معاهدات الصلح والتحالف والمعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة حتمية، هذا مع احتفاظه باختصاصاته الاستشارية، طبقا لنص الدستور، فيؤخذ رأيه فى مشروع الخطة والموازنة ومشروعات القوانين التى يحيلها إليه رئيس الجمهورية وما يحيله إليه من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة داخلية كانت أو خارجية. كما أصبح لمجلس الشورى بعد التعديلات الدستورية الأخيرة اختصاص رقابى أيضاً، لم يكن موجودا من قبل، حيث يحق لعشرين عضوا على الأقل من أعضائه طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة الحكومة بشأنه، كما منح الدستور لأعضاء مجلس الشورى الحق فيما يطلق عليه «الاقتراح برغبة» والذى يجيز لهم إبداء رغبة فى موضوع عام إلى رئيس الوزراء أو أحد الوزراء.. هذا من حيث نشأته واختصاصاته، أما من حيث تكوينه، فهو يتألف من 264 عضواً منهم 88 تعيينا من الرئيس، أما الباقى وهم 176 فينتخبون بواقع عضوين من كل دائرة من 88 دائرة متسعة هى إجمالى دوائر الشورى فى مصر. وعلى الرغم من أن مجلس الشورى أصبح له اختصاصات تشريعية ورقابية كما سبق وشرحت، وعلى الرغم من أن أعضاءه يتمتعون بنفس مزايا أعضاء مجلس الشعب فإن انتخاباته مرت مرور السحاب، ولم يشعر بها المواطنون ولم يخرج إليها الناخبون، وتميزت بالعزوف الشديد عنها، وكأنها شورة بلد آخر. ونحن نأمل ألا يحول هذا الفتور وعدم الاهتمام بانتخابات أعضائه بينهم وبين القيام بدورهم من ناحيتين اثنتين أولاً: توفير قدر أكبر من العقلانية والتروى فى العملية التشريعية لاتساع مجال الخبرات الفنية والمتخصصة «المفترضة» فيه، ثانياً: إبداء المشورة على وجه دقيق ومحايد لاسيما بشأن القضايا التى تخص مستقبل العمل السياسى والحوار الوطنى والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنات الحكومية، خاصة أن هناك ميلاً متزايداً من رئيس الدولة لإحالة معظم الموضوعات من هذا القبيل إلى مجلس الشورى أولاً حتى أصبح ذلك بمثابة عرف دستورى محمود. ويبقى على مجلس الشورى استخدام صلاحياته الجديدة وإعلاء سقف ممارسته لها، فالبرلمان هو عقل الدولة، ومجلس الشورى هو «مخ» البرلمان، مع الأخذ فى الاعتبار أن ازدياد أهميته وارتفاع أدائه لن يكون هو الفيصل فى إقبال الناس على انتخاباته مستقبلاً، فهناك عوامل أخرى كثيرة هى التى تؤدى إلى عزوف الناس عن الانتخابات بوجه عام وعن انتخابات الشورى بوجه خاص.. وبغض النظر عن صحة الأرقام المعلنة، فمن غير المعقول أن يكتسح الأستاذ موسى مصطفى موسى، مرشح حزب الغد – مع احترامنا وتقديرنا لشخصه الكريم - انتخابات الشورى بما يقارب ربع مليون صوت، فى دائرة الجيزة الأولى غير المعروف فيها، اللهم إلا إذا افترضنا أن الناخبين صوتوا لصالح حزبه وبرنامجه، فإن كان ذلك كذلك، وبأخذ نسبة نجاح الحزب فى المقاعد التى ترشح عليها فى مجلس الشورى فى الحساب والتى تبلغ 50%، فإن حزب الغد سوف يكون قادراً على الحصول على نصف مقاعد مجلس الشعب فى الانتخابات القادمة، أو على أقل تقدير نصف المقاعد التى سيحصل عليها ستحصل للمعارضة سواء كان مرشحوه معروفين فى دوائرهم أو غير معروفين.. وهذا أمر مستبعد إن لم يكن ضرباً من الخيال يتأكد منه وجود أخطاء فى الجمع والطرح.. والحسابات.