كسائر مراحل التفاوض، انقسم المعنيون بالقضية الفلسطينية حول جدوى إطلاق المفاوضات الحالية غير المباشرة، ورأى المنتقدون أنها «عبثية» ولن تسهم إلا فى تكريس الأمر الواقع وتوسيع المستوطنات، مشيرين إلى عدم حدوث أى تقدم خلال ال17 عاماً الماضية، منذ اتفاقية أوسلو. ورغم إقراره بأنه «لم يعد من الممكن المناورة حول أى جديد»، يرى د. سمير غطاس، مدير مركز «مقدس» للدراسات الفلسطينية، أن جدوى المفاوضات الحالية للجانب الفلسطينى تتمثل فى «تعطيل الاستيطان 4 أشهر، هى مدة التفاوض، تنتهى فى سبتمبر، قبل نحو أسبوعين من انتهاء مهلة ال10 شهور التى أعلنها نتنياهو لتجميد الاستيطان فى 26 سبتمبر، عندها تتضح نتائج 4 شهور من المفاوضات غير المباشرة، وبالتالى تتضح النية، إما توسيع الاستيطان أو وقفه واستئناف المفاوضات المباشرة». ويتسق ذلك مع تسريبات أوردتها صحيفة «معاريف» قبيل انطلاق المفاوضات غير المباشرة حول وجود «تفاهمات سرية» تتعلق بمستوطنات القدسالمحتلة تحديدا، بين مستشار نتنياهو والمسؤول الأمريكى عن ملف الشرق الأوسط فى مجلس الأمن القومى دان شابيرو. وتنص التفاهمات غير المعلنة على استكمال المشاريع الاستيطانية التى بدأت بالفعل فى القدس، شرط إرجاء مشروع بناء 1600 وحدة سكنية جديدة فى مستوطنة «رمات شلومو»، شمال القدسالشرقية، والتى تسبب الإعلان عنها أثناء زيارة نائب الرئيس الأميركى جو بايدن لإسرائيل قبل شهرين فى إحراج واشنطن وتفجير أزمة دبلوماسية بينها وبين تل أبيب. ووفقا لهذه التفاهمات، تستمر حكومة نتنياهو فى الإعلان عن استمرار البناء لتهدئة الرأى العام الداخلى، لكنها تنص على بناء وحدات رمزية حال تزايد ضغوط المعارضة الإسرائيلية. هذا عن مقدمات المفاوضات، أما الغرض الحقيقى منها، فبينما قال المعلق السياسى لصحيفة «معاريف» إن نتنياهو يريدها وسيلة ل«نسف مفاوضات السلام لا يدفعها إلى الأمام» ومن ثم المضى قدما فى المستوطنات، رأى غطاس أن «خطة الفلسطينيين هى الوصول إلى أزمة بعد ال4 شهور لرفع الأمر إلى الأممالمتحدة من أجل ترسيم الحدود»، لكنه حذر من إحداث أزمة مفتعلة من قبل إسرائيل تجعل الجانب الفلسطينى يبدو مسؤولاً عن فشل المفاوضات غير المباشرة، وبالتالى يخسر دعم الوسيط الأمريكى ويخسر مساندته لمطلبه رفع الأمر إلى الولاياتالمتحدة. كان محمد دحلان، عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، أكد فى سياق إعلانه أن المفاوضات غير المباشرة ستجرى دون أطقم فنية أو لقاءات مباشرة بين الطرفين، وأن السلطة الفلسطينية تعتزم الذهاب إلى الجامعة العربية بعد انتهاء الشهور ال4 لتقديم تقرير عن سير المفاوضات. وأشار – وهذا الأهم – إلى أنه حال فشل المفاوضات، فإن الفلسطينيين سيطالبون واشنطن ب«طرح خطة للسلام وفرض حل على إسرائيل»، وهو ما قد يرفع الأمر برمته إلى المنظمة الدولية، لترسيم حدود الدولة الفلسطينية المنتظرة. ويعد ترسيم حدود الدولة إحدى النقاط الجوهرية ضمن قضايا الوضع النهائى التى تعمل إسرائيل دوما على إرجائها، لأنها ستكون بمثابة وضع النقاط فوق الحروف، ووضع حد لمماطلتها وسياساتها الممنهجة فى فرض أمر واقع استيطانى مغاير على الأرض، بما يخالف قرارات مجلس الأمن القاضية بالانسحاب إلى حدود 1967. فإذا حددت الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولى حدود دولة فلسطين على الضفة الغربية وقطاع غزة، تجديدا للقرار 242 القاضى بانسحاب إسرائيل إلى حدود 1967، سيعنى ذلك نسف كل المساعى التى تقوم بها إسرائيل لفرض واقع استيطانى جديد فى أراضى الضفة الغربية، بما فيها القدسالشرقية. وتجسدت أهمية ترسيم الحدود فى مطلب الجانب الفلسطينى أن يناقش الجانبان خلال الشهور الأربعة المقبلة كل قضايا الوضع النهائى، الأمر الذى رفضته إسرائيل، متمسكة بضرورة التركيز على ملفى الأمن والمياه، إلى أن توصل المبعوث الأمريكى جورج ميتشل، صاحب فكرة المفاوضات غير المباشرة، إلى صيغة توفيقية لطرح كل القضايا، نزولا على الطلب الفلسطينى، مع إرجاء أى قرارات متعلقة بها إلى المفاوضات المباشرة، نزولاً على الشرط الإسرائيلى.