ظل الضريح مكانا شبه مقدس بالنسبة للمصريين جميعا حتى وقت قريب. ففيه يرقد الولى، وإليه تتجه الشكاوى والمظالم والدعوات. كان هذا هو البروتوكول المصرى المتبع دائما مع ضريح أو مقام الشيخ. أما الآن فالوضع تغير، و«الحى» ليس فقط «أبقى من الميت» لكنه يتجاهله أيضا. ظلت الأضرحة والمقامات تمثل البنية التحتية للتصوف فى مصر، فمنها يستمد المتصوف «شرعية البركة» وفيها يقيم الصوفيون حلقات الذكر. فى القاهرة يعوم مسجد السيدة رقية بنت على بن أبى طالب الذى يحوى ضريحها فى المياة الجوفية التى أدت لتآكل جدران المسجد، وقلصت عدد المريدين الذين أتوا من أجل البركة وخرجوا من المكان مشبعين بالمياه والطحالب والروائح الكريهة. على بعد أمتار من السيدة رقية تحاصر نفس المياه مقامى سيدى على الجعفرى، والسيدة عاتكة. المياه التى لا تجد من ينهى تسربها تسببت فى إنهاء حالة القدسية والاحترام التى كان مثلث رقية – على – عاتكة يتمتع به، فوسط تجاهل من مسؤولى الحى ووزارة الأوقاف ظلت المياة الجوفية تتسرب لتأكل جدران وأعمدة الأماكن الأثرية. وفى السيدة زينب تحول أحد المقامات الموجود أمام موقف النقل العام إلى محطة انتظار سيارات «السرفيس»، وحين تسأل عن صاحب المقام بعد زوال أغلب معالمه وتحوله إلى «فرشة تابعه لمقهى مجاور» يرد عليك القهوجى قائلا: «تلاقيه حد كويس علشان كده عملواله مقام». وحين تنتقل بين تلك الأضرحة المجهولة تجد ضريحاً بلا أسم أمام مسجد الظاهر بيبرس وبالقرب من مسجد سيدى عواض، هذا المكان تحول لمركز لتجارة الخضروات والفطير. فى زفتى بمحافظة الغربية لا تجد أثراً لضريح المغازى الشهير الذى حاصرته المدافن داخل مسجده ليدخل ضمن توسيع ليختفى تحت المسجد فيقول حسن عبدالعزيز، وكيل الضريح، اختفى المقام وصاحبه عمدا بفعل جماعات متشددة حاربت لمنع بناء مسجد يضم الضريح. أما فى برج البرلس بكفر الشيخ تحول مقام الشيخ عيسى وهو أحد الأولياء المشهورين بالمحافظة، فتحول لحائط يفصل بين مدرستى بنين وبنات تابعتين للأزهر الشريف. يرصد الداعية الصوفى أيمن محمود ظاهرة إهمال الأضرحة فيقول: «منذ ظهور الجماعات المتشددة والأمر يسير من سيئ إلى أسوأ خاصة مع إهمال الإدارات المتعاقبة هذه المقامات، فبعضها يسبح فى مياة الصرف الصحى، ومقامات أخرى تغرق فى المياه الجوفية» ويضيف أيمن: «يبدو أن الجماعات والتيارات السلفية والوهابية تريد أن تمنع حب المصريين للأولياء وآل البيت.. فما يحدث تدهور مرعب حتى لفكرة كون هذا المكان قبرا لأحد الأولياء». أما «جبرتى» الأضرحة والمقامات كما اشتهر بين مشايخ الطرق الصوفية لرئاسته لجنة الأضرحة والمقامات، الشيخ على الخضيرى فيقول: «فين مكان وقيمة الضريح، أغلبها ضاع دلوقتى بعد ما كانت محفوظة ومصانة من زوارها ومريديها، لكن الجماعات السلفية شغالة دعاوى وفتن وفتاوى وعندهم دلوقتى قنوات فضائية بيقولوا فيها كل اللى عايزينه».