فى جنوب السودان قد يصطدم أى مصرى بإحساس أولى بالرفض لمجرد أنه من مصر، تلك الدولة التى تساند حكومة الخرطوم وترفض انفصال الجنوب، لكن بعد قليل يبدأ الدور المصرى فى الظهور من خلال تعليقات من البعض حول «العيادة المصرية» أو القنصل الجديد الذى يمتدحه كثيرون وغيرها من التفاصيل التى تقول إن الدور المصرى فى جنوب السودان، والذى بدأ بقوة بعد افتتاح القنصلية المصرية فى جوبا، بدأ يعرف طريقه إلى الشارع، وهو ما يؤكد بداية النجاح فى رسم صورة جديدة لمصر غير تلك التى يقف بها البعض عن مرحلة ما يعتبرونه «الاحتلال التركى المصرى» لجنوب السودان. فعلى سبيل المثال هناك الكثيرون من أمثال ماوا أليكس، من الذين يترددون على «العيادة المصرية» فى جوبا، ومن خلال تردده عليها لمس الدور الذى تلعبه وأشاد بالخدمة التى يلقاها هناك والرعاية الطبية المتطورة - على الأقل وفقا لمستوى الرعاية الطبية فى الجنوب - والتعامل الجيد من العاملين فى العيادة. نفس الترحيب ب«العيادة المصرية» كان محور حديث جيمس أوتشان، الذى أشار بسعادة إلى المبنى لدى مرور السيارة بجواره قائلاً: «تلك عيادتكم.. إنهم المصريون»، كان يقصد «إكرام ضيفته» بتعريفها على أبناء بلدها وما يفعلونه، لكن الجانب الآخر فى تعليقه كان اعترافاً حقيقياً بأن تلك العيادة الصغيرة تلعب دوراً مهماً فى منطقة بها الكثير من الأمراض والكثير من المعاناة. دور مصر بالنسبة للكثيرين لم يصل بعد إلى الحجم الذى يتناسب مع العلاقات التاريخية والاستراتيجية مع السودان لكنه يتزايد باستمرار. ومن بين المؤيدين لذلك الرأى صلاح المليح، الناطق الرسمى باسم مكتب اتصال جنوب السودان بالقاهرة، فخلال لقاء بالعاصمة السودانية الخرطوم، أكد أن مصر بدأت تتحرك بنشاط فى تنمية جنوب السودان فكثير من الطرق المخطط لها فى جوبا يتم إنشاؤها بالتعاون مع مصر، بخلاف العديد من المشروعات الصحية والتنموية الأخرى. وخلال لقاء غير رسمى مع «المصرى اليوم» فى العاصمة السودانية أسهب أحد مستشارى الحركة الشعبية لتحرير السودان فى الإشادة بالتطورات الأخيرة فى التعامل المصرى مع السودان. تلك الرؤى المتفائلة بتزايد الدور المصرى فى جنوب السودان فسرها البعض بأن مصر بدأت تسير على الطريق الصحيح لنقل العلاقة مع الجنوبيين من مرحلة «محمد على» إلى العصر الحديث. فعلى سبيل المثال تُشرف القنصلية المصرية على بعثات دراسية تقدمها مصر سنوياً للطلاب الجنوبيين. تركز الاهتمام المصرى فى البداية على المساهمة فى مساعدات تتعلق بالخدمات الأساسية فى الصحة والتعليم ومشروعات المياه النقية، وتم إنشاء «العيادة المصرية» فى جوبا وهى مجهزة بأحدث الوسائل العلاجية والأجهزة الطبية. وبها معمل للفحوصات الطبية من أحدث المعامل فى المنطقة، وتقدم خدماتها لأكثر من 300 حالة فى اليوم وبأسعار رمزية. كما تعمل القنصلية المصرية فى دعم التعليم الصناعى فى جنوب السودان، وتسرع فى تنفيذ خطة لافتتاح مدرسة جوبا للتعليم الصناعى بحى مونيكى. وتم تجهيز ورش ومعامل تدريب، وسكن للمعلمين والفنيين، بتكلفة 25 مليون جنيه مصرى. ووفقاً لتصريحات صحفية للقنصل المصرى فى جوبا، مؤيد الدالى، يجرى تأسيس تلك المدرسة بإشراف وزارة العلوم والتكنولوجيا بحكومة الجنوب، بخلاف العمل على افتتاح عيادات مصرية فى «بور» وفى «واو» ومن المقرر افتتاح مدرستين صناعيتين خلال أشهر قليلة. وخلال مؤتمر الاستثمار العربى بجنوب السودان الذى انعقد فى جوبا حضر عدد كبير من المستثمرين المصريين وأبدوا رغبة فى إقامة مشاريع فى الجنوب، وبالفعل وقع عدد منهم مذكرات تفاهم مع حكومة جنوب السودان على إقامة فرع لبنك مصر، إضافة إلى أن أحد المستثمرين المصريين فى سبيله للتعاقد على تحديث فندق جنوب السودان. ومنذ 2005، قدمت الحكومة المصرية مشاريعها لجنوب السودان بعد توقيع السلام مباشرة، ويبدو أن مصر فى الجنوب حريصة على تجاوز أخطاء الماضى فى التعامل مع أفريقيا حيث لم يتوقف التعاون بين مصر والسودان عند هذا الحد بل تم الاتفاق مؤخرا مع حكومة جنوب السودان - طبقا لما أعلنه القنصل المصرى - على إقامة فرع لجامعة الإسكندرية.