مع زحمة العمل ومشاغل الحياة تظل مهمة اقتطاع جزء من الوقت لأطفالى شاقة ومتعبة، فالصحافة تطاردنى فى كل مكان حتى منزلى عبر التليفون المحمول أو مشاهدة الفضائيات المختلفة.. وعندما أنجح فى توفير دقائق أو ساعات تكون ابنتى الوسطى «رودينا» ذات الأربع سنوات هى الأكثر استحواذاً على اهتمامى ومداعبتى بسبب انشغال شقيقتها الكبرى فى المذاكرة وعدم قدرة شقيقها الأصغر الذى تجاوز العام ونصفاً بأيام قليلة على الكلام، كما أن رودينا تملك قدرات كبيرة على «ملاغاة» من يحاورها رغم لثغاتها وعدم نطق «النقط» على معظم الحروف لكن الخلاف الوحيد بيننا- أنا و«رودينا»- فى مشاهدة التليفزيون. ف«رودينا» التى تتميز بالطاعة لوالديها وتملك قدرة على استيعاب الآخرين ترفض أى محاولات لتغيير الريموت عن قناتها المفضلة «طيور الجنة».. ولا تنسى بالطبع أن تعيد على أذنىّ بعض الأغنيات التى حفظتها منها فى حال خروجنا أو عدم مشاهدة التليفزيون مثل «يا بابا سنانى واوه وادينا عند الطبيب» وغيرها وترفض رودينا بشدة إلحاحى حتى لمشاهدة برنامجى، وإذا سمحت فى هذا الظرف فقط فيكون لدقائق معدودة. «رودينا» لم تتعلم الأغنيات فقط فى «طيور الجنة» بل استقت ثقافتها وقيمها كذلك، فعندما تتحدث عن الكذب مثلاً تردد حكماً ودروساً ومواقف تذاع على القناة، بل وصل الأمر إلى أنها طلبت دهان حجرتها بنفس لون حجرة «لين» وهى طفلة من الشخصيات التى تغنى بالقناة. رودينا لا تحفظ من الأغانى المصرية سوى «والله وعملوها الرجالة ورفعوا راس مصر بلدنا» فى ظل فرحتها بفوز مصر بكأس الأمم الأفريقية بعد أن صممت على شراء علم كانت تخرج به للشوارع بعد فوز مصر فى المباريات المختلفة.. سألت زملاء لى: ماذا يشاهد أطفالكم؟ فانقسموا ما بين «طيور الجنة» وقناة «إم. بى. سى 3»، فيما يتابع البعض أغانى الأطفال على قناة «دريم 1» وبرامج المسابقات خاصة «جيل التحدى» على قناة «الحياة»، فيما فشلت فى العثور على أحد يتابع التليفزيون المصرى أو أطفال تأثروا بشخصيات فيه، كما تربت أجيال مختلفة مع «بابا شارو» و«ماما نجوى» و«بوجى وطمطم» و«كابتن ماجد» و«بوقلظ» و«عمو فؤاد» و«بكار» وحتى برنامج أحمد حلمى قبل أن يتجه للتمثيل. الإعلام فى أى دولة يربى الوجدان ويزرع القيم خاصة عند الأطفال، وقد استطاعت مصر عبر سنوات طويلة أن تقوم بذلك الدور ليس على مستوى أبنائها فقط بل أثرت فى المنطقة العربية بأكملها.. لكن الإعلام يدار الآن بلا رؤية، ومشروعه الوحيد «اللامشروع».. وبالتالى ستظهر أجيال جديدة تستمد ثقافتها وقيمها وحتى إدراكها وقدوتها من قنوات لبنانية وسعودية وأردنية، وسأظل عاجزاً عن إقناع ابنتى «رودينا» بأن تتركنى أشاهد برنامجى وأتابع برامج «التوك شو» أو أن تدير التليفزيون على قناة مصرية أو حتى برنامج للطفل يشدها وتتأثر به طالما أن المسؤول الأول عن الإعلام فى مصر اسمه أنس الفقى ولا يعرف حجم هذه المشكلة.
