كنت أحلم فى طفولتى بامتلاك دراجة هوائية.. لماذا؟! لأن إيجار العجلة من عم «توكل» كانت له عواقب وخيمة.. غالباً ما أتأخر فى العودة بالدراجة ساعة وربما ساعتين وأعرض نفسى للاعتقال رهينة فى محل العجلاتى، حتى يأتى أصدقائى بالفدية فيعتقنى عم توكل متوعدا لو تكرر الأمر فى المرة المقبلة بعلقة ساخنة بخرطوم المنفاخ.. وكان أبى رحمه الله يشفق علىَّ من هوس ركوب الدراجات ومضيعة الوقت على حساب المذاكرة.. وكان يجارينى فى أحلامى الطفولية بأنه سوف يساعدنى على شراء عجلة لو تفوقت فى الدراسة ونجحت بمجموع محترم.. وكنت أظل أترقب هذه اللحظة التاريخية بعد نجاحى فى الإعدادية ولكنه قال لى: «أنت كبرت وأصبحت الآن رجلاً فلا يليق بك أن تركب عجلة.. خاصة بعد العقدة التى أصابتك يوم تسميع القرآن حين ظللت تردد (قال يا بنى اركب).. (قال يا بنى اركب).. وكررتها مثل الاسطوانة المشروخة ربع ساعة والمدرس يضحك ويقول لك أخيراً.. على سبيل التلميح والإيعاظ والتشفى.. قال يابنى اركب.. عجلة.. هاهاها.. وأظهر الخيزرانة فانطلقت تجرى من حصة الدرس الخصوصى ولم تعد له حتى يومك هذا»، وواصل أبى: «ربما يناسبك الآن موتوسيكل وليس عجلة»، فرحت من كل قلبى وقلت له: هاتها.. هاتها، قال: «بعد نجاحك فى الثانوية العامة»، ربما عشت سنوات أخرى على هذا الأمل ولما حصلت على الثانوية العامة.. قلت لأبى: أين الموتوسيكل؟!.. ضحك وقال: «أنت الآن رجل جامعى ربما يليق بك سيارة ولكن الرجولة تقتضى أن تجتهد وتشتريها من حر مالك بعد التخرج».. كنت مغتاظاً جداً ولكنى فى أعماقى أعرف خوف أبى الشديد علىَّ من لعنة حوادث الموتوسيكلات، خاصة أن طالباً من أصدقائنا راح ضحية هوسه بالموتوسيكل.. لا أعرف لماذا قفزت هذه القصة من ذاكرة الطفولة وأنا أطالع باستمتاع كتاب «عصر الاضطراب» لآن جرنسبان، رئيس بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، على مدى أربعة عشر عاماً الذى نجح كثيراً فى المشاركة فى خطط إنقاذ أمريكا من التعرض لانهيار اقتصادى يأخذ معه العالم إلى الكساد. يتحدث فى الكتاب عن أمريكا ويقول هى أمة الوجبة السريعة Fast food nation فى حين أن الصين هى أمة تأكل الحديد وتقرقش الظلط ثم قال إن دنج شياو بنج الإصلاحى الاقتصادى العظيم هو الذى أخرج الصين من عصر البسكلتة إلى عصر السيارة.. هنا ضرب دماغى فى اتجاهين.. الأول هو قصة الطفولة التى ذكرتها.. والثانى هو اقتصاد البسكلتة الذى مازالت مصر تعيشه.. تركيا تصنع السيارة وإيران وإندونيسيا وطبعاً ماليزيا وقبلها كوريا وقريباً جزر القمر ربما.. أما نحن فمازلنا نستورد الميكروباص والتكاتك.. وأخيراً أسطول أتوبيسات جميلة حقاً نهنئ الحكومة عليها.. من قلبى جاداً والله العظيم.. أتوبيسات حضارية تحترم آدمية المواطن.. ولكن أين الصناعة المصرية مع كل هذا الدعم الخرافى لشركات تجميع السيارات فى مصر.. لماذا فشلنا وما هو الحل؟.. إذا عرفت الحل فاتصل بالدكتور عادل جزارين ربما تجد عنده نسخة قديمة من السيارة نصر.. عليها ألف رحمة ونور. [email protected]