على بعد أكثر من 60 كيلو متراً من مدينة العريش فى شمال سيناء، توجد منطقة السرو والقوارير، وهى المنطقة التى تجسد فيها فشل مشروع تنمية سيناء على حد قول أهاليها، حيث كان المشروع القومى يستهدف استصلاح وزراعة 135 فداناً من سهول وادى العريش فى المنطقة التى تتميز أراضيها بأنها سهلة وصالحة للزراعة، وتعد «السرو والقوارير» بمثابة المحطة الأخيرة لترعة السلام القادمة من سهل الطينة غرب قناة السويس، وحسب تصريحات المسؤولين فإن أساس التنمية فى سيناء يتوقف على وصول ترعة السلام إليها، حيث الأراضى السهلة والصالحة للزراعة، والتى تصل مساحتها بحسب تصريحات مسؤولين فى الإدارة الزراعية فى شمال سيناء إلى 500 ألف فدان . الزراعة فى سهل وادى العريش تتوقف على مبادرات فردية من سيناويين مقيمين بالمكان يدركون جيدا مميزات تلك الأرض الطينية المنبسطة على حد تعبيرهم، فبين أراض صفراء جرداء تجد أشجار الزيتون والقمح وغيرها من المحاصيل التى تصبغ على المكان لونها الأخضر. فى عشة خشبية بناها بيده جلس عودة عبدالله، يستريح من عناء يوم شاق، فحاجاته الأساسية التى تجعله قادراً على المعيشة فى ذلك المكان تكاد تكون معدومة فلا توجد مياه للشرب ولا كهرباء للإنارة ولا أى من متطلبات الحياة العادية، لكنه يملك إرادة حديدية لتعمير الصحراء فعلى حد تعبيره: «الأرض دى صالحة للزراعة، وحرام نسيبها صفراء كده لازم نخضرها ونزرعها». للرى أصول وقواعد أخرى يعلمها عودة وغيره من سكان المنطقة جيداً، فلديهم خزانات أرضية تسمى «الرهاوى»، يملؤها بالمياه طوال فترة الزراعة عبر خزانات بلاستيكية تحملها عربات نقل تنقل إليهم المياه من شمال سيناء، بعدها يبدأ عودة فى رمى خراطيم المياه الخارجة من «الرهاوى» فى أرضه التى اشتراها مؤخرا من أحد رجال البدو. يظل عودة يحرث الأرض ويضع بذور الزيتون فى جوفها، ويواظب على ريها بمياه مالحة نسبيا على حد قوله، لافتاً إلى أنه بين الحين والآخر يزرع البرتقال ويرويه بمياه حلوة فى بداية تكوينه إلى أن تكبر الزراعة فيرويها بمياه مالحة كغيرها من الزراعات الموجودة فى ذلك المكان . عودة يعيش على أمل أن تصل ترعة السلام إلى المنطقة فالحديث عنها يعود لأكثر من 10 سنوات ماضية، فعلى حد قوله: «بقالهم كتير بيتكلموا عن توصيل ترعة السلام للمنطقة لكن حتى الآن مشفناش حاجة، لو وصلت المياه هنا، الأرض دى هتتعمر وهتجيب خير للبلد». ورغم ما يعانيه سكان السرو والقوارير من بدائية شديدة فإنهم لا يحلمون بشىء أكثر من حصولهم على نقطة مياه نظيفة وبطريقة كريمة كغيرهم من المواطنين، تروى ظمأهم وتساعدهم على إنبات الزرع فى الأراضى الصفراء». الزراعة فى شمال سيناء تتوقف على وجود المياه التى لا يمكن أن تتوفر إلا بصعوبة بالغة لكل الموجودين فى المكان، ولكن حلم التعمير يسرى فى دماء الكثيرين من أهالى سيناء، لكى يلقى بعض الفلاحين البذور فى مياه السيل بسهول «السرو والقوارير» حتى تنبت الزراعات فيها وتغمر الصحراء بلونها الأخضر. ويرى محمد الكاشف، عضو مجلس الشعب السابق فى شمال سيناء، أن التنمية فى سيناء توقفت عند منطقة بئر العبد، منذ سنوات ولا أحد يتوقع استكمال المشروع مرة أخرى فى ظل تعقيدات غير معلوم أسبابها تجاه هذه المساحات السهلة الصالحة للزراعة.