فى سالف العصر والأوان، قبل الميلاد بزمان، قال الفيلسوف اليونانى القديم «إن الحكمة الجماعية لشعب من الشعوب أسمى وأرقى من حكمة أعقل المشرعين» ... ويبدو أن تلك المقولة كان لها أثر عظيم فى نشأة المجالس التشريعية فى الدول الديمقراطية، باعتبارها الأداة الرئيسية التى تُمكِن الشعب من ممارسة السيطرة على مقاليد الأمور فى الدولة من خلال صلاحياتها التشريعية والرقابية، فالدول الديمقراطية الحديثة تدار عن طريق ثلاث سلطات رئيسية: السلطة التنفيذية الممثلة فى الحكومة، والسلطة التشريعية الممثلة فى البرلمان ( المجالس التشريعية)، والسلطة القضائية الممثلة فى القضاء، وقد عُنِيت دساتير الدول بحفظ التوازن والفصل بين هذه الصلاحيات أو السلطات، وحددت لكل منها اختصاصاته، بما يضمن ألا تجور إحداها على الأخرى، والحقيقة أن المجالس التشريعية كانت وستظل فى محل القلب بين هذه السلطات، لأهمية دورها الذى يقوم على ممارسة التشريع للدولة والمراقبة على السلطة التنفيذية بالنيابة عن الشعب، والذى يجعل منها– المجالس التشريعية– الضمانة الرئيسية فى ممارسة أى حكم ديمقراطى سليم. أما ما دعانى للبدء بهذه المقدمة فهو أننى لا أستشعر حرارة اقتراب انتخابات مجلس الشورى التى صارت على الأبواب، فمع اقتراب ساعة الصفر لهذه الانتخابات، لا نلحظ لها أثراً فى الشارع المصرى، ومجلس الشورى هو أحد المجلسين النيابيين فى مصر، وكان قد تم استحداثه عام 1979، واختصاصاته التشريعية لا تتعدى وجوب موافقته على أى تعديلات دستورية وبعض القوانين المقترحة إذا كانت مكملة للدستور، بالإضافة إلى معاهدات الصلح والتحالف والمعاهدات التى ينشأ عنها تعديل فى أراضى الدولة، وفيما عدا ذلك يكون رأيه استشارياً فى مشروع الخطة والموازنة أو مشاريع القوانين التى يحيلها إليه رئيس الجمهورية.. هذا من الناحية التشريعية، أما عن الاختصاص الرقابى له، وعلى الرغم أنه يجوز لعشرين عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشورى طرح سياسة الوزارة للمناقشة، ويجوز لهم أيضاً إبداء رغبات فى موضوعات عامة لرئيس مجلس الوزراء، إلا أن الحكومة تظل غير مسؤولة أمامهم. ويتمتع عضو مجلس الشورى بالحصانة البرلمانية مثله مثل عضو مجلس الشعب وبكل مميزاته، ولذلك فأنا لا أرى سبباً للفتور ناحية انتخابات الشورى التى صارت على الأبواب إلا أن يكون الناخبون لا يقدرون دوره حق قدره، فهو وإن كان لا يتمتع بوظيفة رقابية على الحكومة إلا أنه– مجلس الشورى– بحكم ما يفترض أن يحويه من خبرات وكفاءات تستطيع أن تتفاعل مع جميع الأحداث، وبما لديه من مخزون علمى وعملى يؤهله للتجاوب مع جميع القضايا، يُمكِنه بلا شك من التعامل مع التشريعات الدقيقة والمستعصية التى تتطلب الحرفية والمهارة فى مناقشتها وتحديد جزئياتها بالتفصيل بشكل أشمل من مجلس الشعب. ولا يخفى على أحد أن الدور التشريعى لمجلس الشعب قد انحسر انحساراً كبيراً بعدما لم يتبق له الكثير من القدرات اللازمة لصنع السياسات ورسم الأولويات، واقتصر على مناقشة اقتراحات القوانين والتشريعات التى تقدمها الحكومة، وأنا أعتقد أن تمكين مجلس الشورى من القيام بدور تشريعى فعال- بحيث يكون له حق المبادرة باقتراح القوانين- يمكنه أن يعيد للمؤسسة التشريعية- بجناحيها الشعب والشورى- القدرة على استعادة دورها الأساسى فى سن القوانين، وتوسيع المشاركة النيابية فيها بدلاً من الاكتفاء بمناقشة ما تقدمه الحكومة من تشريعات. والخلاصة أننى أعتقد أن مجلس الشورى إذا ما مُُنِح حق سن القوانين والتشريعات مع عرضها على مجلس الشعب لإقرارها، سوف يكون له أثر فعال على استعادة الدور التشريعى للمؤسسة التشريعية فى البلاد. وحتى يستطيع مجلس الشورى القيام بهذا الدور المنشود فلابد من توافر عناصر الكفاءة والخبرة فى أعضائه المعينين، وفاعلية النيابة والتمثيل فى أعضائه المنتخبين، وأن تصب القوانين والقرارات المنظمة فى صالح هذه العناصر، ولا يسعنى هنا إلا أن أذكر مثالاً على القرارات التى لا تصب فى هذا الصالح، وهو قرار اعتبار محافظة حلوان دائرة انتخابية واحدة على امتداد أطرافها التى تضم الصف وأطفيح وحلوان والمعصرة والمعادى والقاهرة الجديدة والشروق ومدينة بدر، وكانت هذه الأماكن فيما سبق ممثلة بأربعة أعضاء، وطبقاً للقرار الجديد سوف تمثل بنائبين، منهما واحد مستمر لثلاث سنوات قادمة، وهو نائب العمال بالصف، والثلاثة الآخرون سوف يخوضون انتخابات التجديد النصفى، وهذا يعنى أن الانتخابات بدلاً من أن تجرى على ثلاثة مقاعد فإنها ستجرى على مقعد واحد فقط، فأين يذهب باقى النواب! وكيف لنائبين أن يمثلا هذه الدائرة الشاسعة التى تشمل مناطق ريفية وأخرى غاية فى التحضر! وهل يحقق ذلك فاعلية التمثيل والنيابة المستهدفة لتمكن المجلس من قيامه بدوره التشريعى وتطويره!!... وبعيداً عن هذا فأنا أتصور ضرورة قيام الإعلام المسؤول بدوره فى تحفيز الناخبين للتجاوب مع انتخابات مجلس الشورى فى ظل أهمية هذا المجلس لترشيد العملية التشريعية وتطوير النظام السياسى الديمقراطى فى الدولة.