بعد 14 اجتماعا على مدار عام كامل، عاشت مدينة براغ فى التشيك لحظة تاريخية مع توقيع الرئيسين الأمريكى باراك أوباما والروسى ديمترى ميدفيديف اتفاقا مهما بين البلدين هدفه تفعيل معاهدة «ستارت 2» للحد من الأسلحة النووية وهى المعاهدة التى لم تدخل حيز التنفيذ منذ 17 عاما بعد توقيعها عام 1993. وجرى حفل التوقيع فى القصر الرئاسى فى براغ، أمس الأول، بعد لقاء على انفراد تناول أوباما وميدفيديف خلاله البرنامج النووى الإيرانى والانتفاضة الشعبية فى قرغيزستان ونظام الدفاع الصاروخى الأمريكى فى أوروبا. وبموجب الاتفاقية، تلتزم واشنطن وموسكو - اللتان تحسنت علاقاتهما بشكل ملحوظ منذ تولى أوباما السلطة مطلع 2009 - بخفض عدد الرؤوس النووية إلى 1550 رأسا لكل منهما، أى بانخفاض نسبته 74% مقارنة بالسقف الذى حددته «اتفاقية ستارت 1» الموقعة فى 1991 والتى انتهى سريانها مع نهاية 2009. وكانت معاهدة «ستارت 1» تنص على الخفض بنسبة 30% من عدد الصواريخ بعيدة المدى والتى يزيد مداها على 5 آلاف كيلومتر.. كما حدت الاتفاقية من عدد الرؤوس الحربية الموجودة فى الدول المستقلة آنذاك عن الاتحاد السوفييتى السابق والولايات المتحدة بعدد 6 آلاف رأس حربى و1600 صاروخ بالسيتى. ويبدو أن أوباما يسعى لإثبات حرصه على تقويض طموح التسلح النووى على مستوى العالم بمواقف واضحة ومبادرات جريئة، حيث قرر – بمجرد توقيع «ستارت 2» فى براغ – أن يستضيف الأسبوع المقبل قمة تهدف إلى استئصال خطر الإرهاب، وستشكل القمة المقرر عقدها الاثنين والثلاثاء المقبلين فى واشنطن بمشاركة ممثلين عن 47 دولة أكبر تجمع دولى تشهده العاصمة الأمريكية منذ عقود، وينظر إلى هذه القمة المرتقبة باعتبارها وسيلة يحاول بها أوباما «إرضاء» الجناح اليسارى فى حزبه الديمقراطى من خلال تنفيذ أجندته القائمة على الحد من التسلح النووى فى شتى أنحاء العالم. وتهدف مبادرة أوباما إلى الحصول على ضمانة من الدول الكبرى الرئيسية بالتصدى لعمليات سرقة مواد نووية يمكن استخدامها لصنع قنابل «قذرة» وتهريبها والاتجار بها. ومن أبرز التعليقات السياسية على حدث «ستارت 2» وتداعياته ما جاء فى تحليل الباحث العربى البارز فى التاريخ الحديث الدكتور بشير موسى نافع الذى نظر إلى الاتفاق باعتباره مثيرا للكثير من التكهنات حول العلاقات الروسية الأمريكية وما إذا كان مقدمة لتفاهمات أكبر وأوسع نطاقاً لاسيما فى الملفات العالقة ومحل الخلاف.. إلا أن المؤشرات حتى الآن تدل على أن اتفاقية «ستارت 2» شأن منفصل فرضتها حاجة الدولتين للتعامل مع الاحتياطى النووى ومتطلبات خفض هذا الاحتياطى بعد أن انتهت الحاجة لمثل هذا العدد الهائل من الأسلحة النووية، ورجح نافع أن هذه الاتفاقية لن تغير من طبيعة الخلافات الأخرى التى تحكم طبيعة العلاقات بين واشنطن وموسكو وتصبغها بسمات خاصة.