هل تتخيل أن الرئيس الأفغانى حامد قرضاى يمكن أن يتمرد على الولاياتالمتحدة وأن يناورها ويسعى لعقابها ويتحرك بشكل يوجعها ويصطدم بمصالحها فى المنطقة! ربما لا تعتقد أن ذلك يبدو منطقياً، فأنت تعرف أن قرضاى وصل إلى السلطة فى كابول على ظهر الدبابة الأمريكية، وظل يحكم، ولايزال، مدعوماً بالقوة العسكرية الأمريكية. لكن قرضاى اليوم يبتعد عن واشنطن، ولك أن تتخيل أنه يحاول التعامل معها بندية، ويجرب أن يتحرك بقدر من الاستقلال عن الأجندة الأمريكية. بدأت المسألة بعد انتخابات الرئاسة الأخيرة فى أفغانستان، العام الماضى، التى فاز بها قرضاى وسط شكوك كبيرة فى نزاهتها، تجاوزت عنها الإدارة الأمريكية رغم كل ما أثير عنها تحت مبرر أن قرضاى أفضل المتاحين للاعتماد عليه. لكن اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات كشفت عملية تزوير واسعة لحسابه، وأصبحت هذه التجاوزات واضحة بشكل يجعل الصمت عليها تواطؤاً من قبل الغرب الذى يبشر بالديمقراطية والنزاهة الانتخابية. استغل قرضاى أن واشنطن تغض الطرف عنه، وقرر عزل اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات، وهو ما أثار حفيظة القوى السياسية والبرلمان هناك، وأصبحت واشنطن عاجزة عن الاستمرار فى غض الطرف، وبدأت توجه انتقادات لإدارة قرضاى وتتحدث عن أهمية إرساء «حكم رشيد» فى أفغانستان. ورداً على قرار قرضاى بعزل اللجنة المستقلة ألغى البيت الأبيض زيارة كان مقرراً أن يقوم بها الرئيس الأفغانى لواشنطن للقاء أوباما، كنوع من الاحتجاج على محاولات قرضاى الهيمنة على لجنة الانتخابات وتقويض استقلالها. ماذا فعل قرضاى، الذى جاء بالقوة الأمريكية ويعيش بدعمها؟ فى البدء دعا الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد لزيارة كابول، فى خروج واضح عن قضبان الأجندة الأمريكية، وفى رد مستفز على إلغاء زيارته للبيت الأبيض، وفى إشارة تنم عن «ندية ما» تقول لواشنطن إنه قادر على عقابها بتقارب مع طهران ما لم تستمر فى دعمه. لم يكتف قرضاى بذلك، وإنما بدأ فى فتح قنوات للتفاوض مع طالبان، ووجه اتهامات مباشرة للأمريكيين بأنهم يشكلون عقبة أمام الوصول لاتفاق سلام مع طالبان. وواصل اتهاماته لواشنطن بأنها تسعى للهيمنة على المنطقة وتحولت أمريكا من «قوة جاءت لتحرير أفغانستان»، كما كان يقول قرضاى قبل عامين فقط، إلى «قوة احتلال» - حسب قوله مؤخراً. وأمس الأول اتهم قرضاى واشنطن والغرب بالتدخل فى شؤون بلاده، وهدد بالانضمام للتمرد إذا لم يدعم الغرب والبرلمان مساعيه للسيطرة على لجنة الانتخابات، وحذر من أن تمرد طالبان «قد يتحول إلى حركة مقاومة مشروعة» إذا استمرت أمريكا وحلفاؤها فى التدخل فى الشؤون الأفغانية. ستتحول واشنطن إلى قوة احتلال، وستصبح طالبان حركة مقاومة، وستغدو طهران حليفاً، وسيصبح قرضاى زعيماً لحركة المقاومة والتحرر الوطنى، كل ذلك إذا لم تواصل واشنطن دعمه فى كل شىء بما فى ذلك البقاء فى السلطة استناداً لانتخابات «مسروقة». قطعاً قرضاى ليس الشخص المناسب الذى يمكن أن نأخذ منه دروساً، لكن أداءه فى مواجهة واشنطن يمكن أن يكون رداً على انتقاد البعض لعمرو موسى، أمين عام الجامعة العربية، حين دعا إلى حوار مع إيران، وإيجاد بدائل فى حالة فشل عملية السلام، وتوسيع الأدوات العربية الفاعلة فى مواجهة واشنطن وتل أبيب، ووضع سياسات عربية على قضبان مستقلة عن الأجندة الأمريكية لا تخدم أحداً مجاناً، وتتعامل بندية ولا تخشى فى مصالحها لومة لائم. إذا كان «العملاء» الذين يأتون على ظهور الدبابات يفعلونها، فهل نحن أقل إرادة منهم..؟! [email protected]